النصر السيستاني في ذكراه الأولى قراءة في كلمة المرجعية العليا بيوم النصر على داعش في 15/12/2017م
22-03-2019
نجاح بيعي
النصر السيستاني في ذكراه الأولى
قراءة في كلمة المرجعية العليا بيوم النصر على داعش في 15/12/2017م
القسم الثاني
المرجعية العليا كانت قد جعلت (الانتصار) المتمخض عن قتال داعش الذي دام (ثلاث سنوات وستة أشهر ويومين) وهي الفترة المحصورة بين انطلاق الفتوى في 13/6/2014م الى إعلان النصر في 15/12/2017م من على منبر جمعة كربلاء يرتكز على مرتكزات أربعة هي:
أولاً/ النصر: في الوقت الذي دعت فيه المرجعية العليا الشعب العراقي للتطوع ورفد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لقتال داعش, كانت قد لوحت حينها بالنصر وبشّرت به بنص (الفتوى)، فالنصر حسب (الفتوى المقدسة) ضرورة حتمية على وذلك لسببين:
أولهما: أن المرجعية العليا مؤمنة مِن أن (فتوى الدفاع المُقدسة) إنما انطلقت من رحم المفهوم القرآني ((ولينصُرن الله من ينصرُه)) والفتوى انتصرت لله بالدفاع عن حرماته المتمثلة بـ(الأرض والعرض والمُقدسات لجميع العراقيين في الوطن) فكان حقيق على الله تعالى أن يُنزل النصر المؤزر على مَن ينصره.
وثانيهما: أنها مؤمنة ومطمئنّة مِن استجابة المؤمنين والعراقيين لها وذلك لتوفر (مقومات النصر) الحتمي لديهم، ونلمس تلك المقومات مُتسلسلة في نص (الفتوى) من خلال سرد الآيات القرآنية المُباركة الخمسة تباعاً وهي:
1- إعداد وتهيئة العُدّة والعَدد للعدو والصبر والمُصابرة والمرابطة.
2- طلب الاستعانة من الله تعالى على العدو وبتوطين النفس على الصبر (الموت).
3- الطاعة لله ولرسوله وطاعة من يقوم مقامهم اليوم (في عصر الغيبة) وهي (المرجعية العليا) وبترك الخلاف.
4- التمحيص من خلال مسّ البأساء والضراء والتلويح بالنصر (ألا إِنَّ نصرَ اللَّهِ قَريب).
5- ومن ثمّ قتال الذين يُقاتلوننا وعدم الاعتداء، وهو بمثابة الإذن بـ(قتال) داعش.
فصلابة وصبر واستبسال وإيمان الشعب العراقي بقضيته وقف العالم أمامها مدهوشاً حتى (تحقق هذا النصر الكبير الذي ظن الكثيرون أنه بعيد المنال.. فما أعظمكم من شعب). وأمام هذه الأسطورة البطولية التي اسمها (الشعب) العراقي، أعربت المرجعية العليا عن عجزها مِن أن توفي بعض حقه، حيث قالت بكلمتها بيوم النصر: (إننا نعجز عن أن نوفيكم بعض حقكم، ولكن الله تعالى سيوفيكم الجزاء الأوفى، وليس لنا إلا أن ندعوه بأن يزيد في بركاته عليكم ويجزيكم خير جزاء المحسنين).
هذا المُرتكز للذين يتوهمون بأنهم أصحاب النصر (وكانوا هم سبباً بغزو داعش للعراق) سواء كانوا زعامات حزبية أو سياسية أو مسؤولين حكوميين عاجزين بسبب الفساد المالي والإداري أو بالأحرى أن الدولة برمتها كانت مشلولة تماماً؛ بسبب نظام المُحاصصة المقيت.
ثانياً/ أداة النصر: فحينما دعت المرجعية العليا بنص (الفتوى) الشعب العراقي للتطوع للقوات المسلحة الرسمية, واستجابت الملايين لذلك، فلأنها (أداة النصر) ولإيمانها بالدولة وسيادة الدستور والقانون.. ولهذا شملتهم بالرعاية الفائقة وحبتهم بعنوان سام ٍ لا يُدانيه عنوان بعد أن أطلقت عليهم عبارة (أبنائنا) ألا وهو اسم الدفاع المُقدس: (إنّ دفاع أبنائنا في القوات المسلحة وسائر الأجهزة الأمنية هو دفاع مقدّس..).
واختزلت الفتوى الدنيا بأسرها واستشرفت الآخرة وبشرتهم بالشهادة في سبيل الله تعالى وقالت: (وإنّ من يضحّي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنّه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى..).
فحقيق على المرجعية العليا أن تشيد ببطولات أبنائها من القوات المسلحة وترد الجميل والامتنان لهم مُضاعفاً في نص كلمة النصر وهي أهل لذلك. فتوجهت لهم بالقول: (أيها المقاتلون الميامين، يا أبطال القوات المسلحة بمختلف صنوفها وعناوينها، أن المرجعية الدينية العليا.. لا ترى لأحدٍ فضلاً يُداني فضلكم، ولا مجداً يرقى الى مجدكم في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي المهم.. فالنصر منكم ولكم واليكم وأنتم أهله وأصحابه.. فهنيئاً لكم به وهنيئا ً لشعبكم بكم.. ما أسعد العراق وما أسعدنا بكم..).
وهذا المُرتكز لمن تناسى بأن القوات المسلحة العراقية كانت (تحتضر إن لم تكن ميتة حقاً) بفعل تفشي الفساد والتجاذبات السياسية والحزبية والطائفية..! ولولا الفتوى المُقدسة التي نفخت به روح الحياة وقدحت به همّة البطولة والاستجابة للنداء وتطوع العراقيين لصد العدوان.
ثالثاً/ المنتصر: فبعد تحديد النصر وأداته ذهبت المرجعية العليا إلى تثبيت المُنتصر, وكان بحق (الشعب) العراقي بأكمله، فالشعب العراقي كان محور المرتكزين الأول والثاني، فبعد أن نادته بنص الفتوى بأن يقبل التحدّي ومنازلة العدو لما: (عُرِفَ عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة..) ودعته إلى تحمل المسؤولية في الوقت الحاضر وهي: (حفظ بلدنا العراق ومقدساته من هذه المخاطر..) وحفزته للمزيد من (العطاء والتضحيات..) للصفات التي يتحلى بها من الصبر والشجاعة والثبات..)، أوجبت عليه القتال المُقدس: (وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي.. ومن هنا فإنّ على المواطنين الذين يتمكّنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيّين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوّع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس).
لذا نراها تتوجه إليه بكلام عالي المضامين، وتناديه كشعب منتصر بنص الكلمة: (أيها العراقيون الشرفاء، انتصرتم على أعتى قوة إرهابية استهدفت العراق بماضيه وحاضره ومستقبله. انتصرتم عليها بإرادتكم الصلبة.. انتصرتم عليها بتضحياتكم الكبيرة.. فسطرتم أسمى صور البطولة.. وكتبتم تاريخ العراق الحديث بأحرف من عزّ. ووقف العالم مدهوشاً أمام صلابتكم وصبركم واستبسالكم وإيمانكم بعدالة قضيتكم حتى تحقق هذا النصر الكبير الذي ظن الكثيرون أنه بعيد المنال.. فحفظتم به كرامة البلد وعزته وحافظتم على وحدته أرضاً وشعباً فما أعظمكم من شعب)..!.
وهذا المُرتكز لمن توهم ولا زال يتوهم بأنه مُقاتل وبطل وهو مَن جلب النصر.
رابعاً/ قطب النصر: إن المرجعية الدينية العليا صاحبة الفتوى المقدسة هي قطب ومحور النصر برمته، فإليها يرجع الفضل كله في تحديد العدو وتسميته، ولها الفضل في دعوة الشعب لقتاله بالإشارة إلى أداة النصر وهي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية دون غيرها.
ولها الفضل بوضع يدها الشريفة على مقومات النصر وبشّرت به منذ البداية حتى تحقق. ويعود لها الفضل العظيم أيضاً إلى رعاية ومساندة ودعم ومُباركة مَن (لبّى) الفتوى على طول الخط ولا تزال.. لهذا نراها تُبيّن ذلك وتُثبّته للأمة بنص الكلمة حيث تقول: (إن المرجعية الدينية العليا صاحبة فتوى الدفاع الكفائي التي سخّرت كل إمكاناتها وطاقاتها في سبيل إسناد المقاتلين وتقديم العون لهم، وبعثت بخيرة أبنائها من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية الى الجبهات دعماً للقوات المقاتلة وقدمت العشرات منهم شهداء في هذا الطريق..)..!.
وهذا المُرتكز لمن يريد أن يُصادر دور ومقام المرجعية الدينية العليا أو تشويهه فهي الأول والأخير في القضية برمتها مع أن دورها أكبر وأعظم من هذا بكثير.
كما وتطرقت المرجعية العليا في كلمتها بيوم النصر لعدة أمور مهمة وواضحة كوضوح الشمس ولا تحتاج إلى أدنى شرح وتفسير، وهي في الحقيقة وجرياً على ذات السياق تصحيح لمفاهيم واهمة والتنبيه لتقديرات خاطئة وتثبيت لما تراه مُناسباً وضرورياً للجميع وما على الجميع إلا الإذعان لها إذا ما راموا العبور إلى شاطئ الأمان بعد أن تحقق النصر الذي بشرت به.. ومن هذه الأمور:
1- (إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الإرهاب والإرهابيين بل إن هذه المعركة ستستمر وتتواصل..) وذلك (يتطلب العمل وفق خطط مهنية مدروسة لتأتي بالنتائج المطلوبة).
2- (إن المنظومة الأمنية العراقية لا تزال بحاجة ماسة الى الكثير من الرجال الابطال الذين ساندوا قوات الجيش والشرطة الاتحادية خلال السنوات الماضية..) أي مُلبي الفتوى المُقدسة من أبناء الشعب العراقي، ولكن (ضمن الأطر الدستورية والقانونية التي تحصر السلاح بيد الدولة وترسم المسار الصحيح لدور هؤلاء الأبطال..).
3- إن معظم الذين شاركوا في الدفاع الكفائي خلال السنوات الماضية لم يشاركوا فيه لدنيا ينالونها أو مواقع يحظون بها، فقد هبّوا الى جبهات القتال استجابة لنداء المرجعية وأداءً للواجب الديني والوطني.. فكانت نواياهم خالصة من أي مكاسب دنيوية..).
4- إن مُلبي الفتوى من المتطوعين الأبطال (أصبح لهم مكانة سامية في مختلف الأوساط الشعبية لا تدانيها مكانةُ أي حزب أو تيار سياسي. ومن الضروري المحافظة على هذه المكانة الرفيعة والسمعة الحسنة وعدم محاولة استغلالها لتحقيق مآرب سياسية يؤدي في النهاية الى أن يحلّ بهذا العنوان المقدس ما حلّ بغيره من العناوين المحترمة نتيجة للأخطاء والخطايا التي ارتكبها من ادّعوها) من ذوي العقول المريضة.
5- (إن المعركة ضد الفساد - التي تأخرت طويلاً - لا تقلّ ضراوة عن معركة الإرهاب إن لم تكن أشد وأقسى.
6- إنّ (العراقيين الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون - بعون الله - على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها أيضاً إن أحسنوا إدارتها بشكل مهني وحازم).
فالحق.. أن الجميع ينتظر على أحرّ من الجمر الفصل الثاني من المعركة ضد داعش, وهي المعركة ضد الفساد والفاسدين.