قراءة انطباعية.. (أبجدية الرثاء) قراءة في مجموعة حروف لم تصل لأبي.. للشاعر قاسم الشمري

22-03-2019
لجنة البحوث والدراسات
قراءة انطباعية..
(أبجدية الرثاء)
قراءة في مجموعة
حروف لم تصل لأبي..
للشاعر قاسم الشمري
حين يرتكز الرثاء على المحور الشعوري والفكري، يكشف عن الكثير من الوسائل الأسلوبية الفنية، وأبجدية الحزن، في مجموعة (حروف لم تصل لأبي.. للشاعر قاسم الشمري)، تميزت درجة التأثير الى صياغة الموقف الشعوري الحياتي ليحتوي المستوى الدلالي، ويكشف عن صيغ الارتباط الشعوري لوالده، وهو الذي اقترن وجده في الحياة نفسها، يقول في مقدمة الحرف الأول من أبجديته.
(هناك في المزرعة/ غرس أبي شجرة سدر/ والغريب انها ماتت بعد وفاته بيومين من دون سبب)
السبب هو الذي مزج الفكر بالوجدان، في شعرية قاسم الشمري، يريد أن يخوض تجربة الحياة في الموت، ويصوغ من التجربة الشعورية فعلاً شعرياً استحضر في ابجديته رؤيا ناهضة.
ففي همزة قطع يقول: (أرى الصداع يدب في رأس القلم الذي سأتركه الآن؛ كي أريح وأستريح)
الصراع أهدأ من الحزن؛ كونه مؤقتاً يزول، وترك القلم مؤقتاً في أيضاً في حكمة (الان) يعطي الصورة الاسمى لهذا الحزن، وأما في أبجدية حرفه الثاني، فهو يدخل عمق المأساة ويكشف عن الواقع الجريح، الأب مخطوف رمى جثته الخاطفون بباب الطب العدلي، فلذلك كان الحزن يسير بقلب مكسور، لهضيمة الخطف والجرح، واما اعتداد الوصف الذي وصف به اباه:
(مهيب كمطلع قصيدة عصماء نقي كضمير الملائكة هادئ كالموت وساع كالتيه)
وليعود في نهاية هذا الشموخ يعرب عن روح المفاجأة:
(أنيق كالليل متمرد كحماس الفلاسفة، متأجج كغضب مؤجل إلا انه قاتل للأحلام بامتياز).
هذا الاشتغال الدلالي يأخذنا الى قيمة المعنى، فهل مواصفات الشموخ لا تساير متطلبات العصر، لذلك أصبح المقتول قاتلاً للأحلام بامتياز, هي مقاربات دلالية قد نصل الى قصدية المضمر او نصل الى إمكانية فهمنا، الى سلوكية المرضي والمقبول.
وفي الحرف الثالث من ابجديته يتحول الحنين الى توق سلوكي مزدان بالبقاء بتلك الاحاسيس التي صاغت المعنى الايماني في بارقة التحدي:
(وكل العراق الغارق، في بقعة سراب تحت مطرقة البرد..
إلا انا وقلب امي الذي تبرعمت فيه اكفان صبح قلق متمتما ببقايا آيات قرانية)
وليربط هذا التحدي الشعوري بالجانب الإنساني الوجداني.. والوطن, يعزز ارتباط والده بروح الوطنية العالية:
(حتى وانت خارج حدود الحياة
ترتعد هيبة لذكر العراق)
كما نجد في هذا الحرف شذرات فلسفية عالية القيمة، حيث يقول: (لا ادري شيء يقتلعني/ يجعلني أتأمل حد انتفاء الوجع/ وحد اختصار الآلام بضحكة).
من المؤكد لا يعني انتقاء الوجع بالموت، لكنه قد يندمج الألم بحد التماهي بألفة مستديمة لهذا نختصر الآلام بضحكة ما يهمنا هو كيف ينظر الشاعر الى الموت, من خلال منظوره الإبداعي كيف يؤلف ابجديته المضخمة بنزيف الابداع:
(أتدري أن الغصن قليل الوفاء، هذا هو يودع أوراقه في فم الخريف) لا نريد أن نفسر ابجدية شاعر عرف معناه، لكننا نريد أن ننظر الى كيفية صياغة هذه الأبجدية، وكيف صور لنا بروح هذا الكد الإبداعي ليعبر عن قساوة الحنين:
(انني بعدك لن اقبل خد القمر/ فارجع بقلب يتضور عشقا/ الملم حطام قبلة)
وبعض الحنين غزل لكنه غزل الابن بأبيه الذي يبصر به الجمال المعنوي فهو يقول:
(وقت الغروب كنت تنافس الأفق في استدارته)
والبحث عن بنية النص في أبجدية شعرية تناثرت شعريتها على متن مجموعة يجعلنا ننتقي بعض الدلالات الشعرية التي تحمل لمعناها مقدرة الجذب الشعوري لمفردات التلقي:
(فالقلب شجرة يا أبي/ وحدهما الفلاح والطير يعرفان معنى شجرة)
شاعر يطمح ان يوصل مشاعره بأبجدية المقدرة الشعورية، فتعامل بوعي المبدع تناولاً فنياً ليستوعب دلالات الرثاء بشكل فكري ناهض:
(وطالما قلت النخل يشعر بالعار
عند النظر اليه من الأعلى
وطالما قلت ألا تتكئ على السراب)
اللوحات التي رسمها الشاعر الشمري هي دلالات شعرية قدم من خلال ابجديته ومضات شعرية حفلت بالمتعة في القراءة وتوقع الدهشة في أي محور كان جعل الابجدية بومضات امدت الرثاء بمقومات إبداعية جديدة يقول قاسم الشمري:
(وكمن يزيف الضوء
تحاول اقناعي
بأن أطيل النظر
في بئري كي أرى القمم)
مجموعة شعرية تجسدت فيها ابجدية الابداع.