المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: المشكلةُ في حلّ الاختلافات والنزاعات المجتمعيّة تكمُنُ في كيفيّة التعامل الشرعيّ الصحيح والعقلائيّ معها، وتحدّدُ خمسة أساليب للتّعامل الإيجابيّ...

27-03-2019
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: المشكلةُ في حلّ الاختلافات والنزاعات المجتمعيّة تكمُنُ في كيفيّة التعامل الشرعيّ الصحيح والعقلائيّ معها، وتحدّدُ خمسة أساليب للتّعامل الإيجابيّ...
أكّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ المشكلة في حلّ الاختلافات والنزاعات المجتمعيّة تكمُنُ في كيفيّة التعامل الشرعيّ الصحيح والعقلائيّ لإدارة هذا الاختلاف والنزاع، بحيث لا يتحوّل هذا النزاع الى تصعيدٍ وتأزيم وتناحرٍ وتحاربٍ ويكون ضارّاً لأفراد المجتمع البشريّ. جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (7 رجب 1440هـ) الموافق لـ(15 آذار 2019م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر، وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
أيّها الإخوة والأخوات، أشارت الآيةُ الكريمة: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) الى أنّ مسألة الاختلاف مسألةٌ طبيعيّة في المجتمع البشريّ، فمسألة الاختلاف مسألة طبيعيّة نابعة من اختلاف أفراد البشر في الثقافات والأفكار والطباع والعادات والتقاليد، وكذلك التنافس بين أفراد البشر في الأمور المادّية والدنيويّة وحبّ السيطرة والسلطنة والهيمنة.
مسألةٌ طبيعيّة أنّ الاختلاف يتحوّل الى نزاع، لكن ما هي أشكال وأنواع هذا الاختلاف والنزاع؟
نبدأ أوّلاً بالمسألة من داخل الأسرة ثمّ في مواقع العمل ثمّ في الاختلافات المجتمعيّة، لا شكّ أنّ الأسرة من الزوج والزوجة والأولاد منشأ الاختلاف موجودٌ فيها، هذه الاختلافات لابُدّ أن نتعاطى معها تعاطياً إيجابيّاً، ولابُدّ لكلّ واحدٍ من الزوج أو الزوجة طباعٌ وظروف، الشخص الآخر يتفهّم طبيعة المشاكل التي تمرّ بها الأسرة فلابُدّ أن تشيع أجواء المحبّة والاحترام والانسجام بين أفراد الأسرة.
كلّ أسرة وخصوصاً في وقتنا الحاضر، لابُدّ أن يكون هناك طريقٌ للتفاهم والحوار إزاء هذه الاختلافات، لابُدّ أن يكون هناك صبرٌ وتحمّل ولابُدّ أن يكون تفهّم من كلّ زوج وزوجة، لابُدّ أن يكون هناك احترام وكذلك تقدير لظروف الآخر من أجل أن نتجاوز هذه المشاكل، ولا نصل الى حالة التفكّك الأسري وحالات الطلاق الكثيرة التي يشهدها المجتمع.
الأمر الثاني: ما يتعلّق باختلافات العمل، في مختلف مواقع العمل هناك اختلافٌ في الرؤية وفي كيفيّة إدارة شؤون العمل وفي كيفيّة حلّ مشاكل العمل، هناك تنافسٌ بين الأفراد العاملين وهناك اختلافٌ في التعاطي مع المشاكل التي يمرّ بها العمل.
النقطة المهمّة أن لا يصل هذا الاختلاف الى حالة التقاطع والتشاحن والبغضاء بين أفراد المجموعة التي تعمل في هذا المكان، لابُدّ أن يعمل الجميع بروح الفريق الواحد، كلّ واحدٍ يشعر بأنّ الآخر مكمّلٌ له وأنّه بحاجة اليه، والكلّ يعمل بهذه الروح ويواجه هذه المشاكل في العمل بروح المواجهة للفريق الواحد لحلّ هذه المشاكل من أجل أن نصل الى الحلّ المناسب.
المسألة الأهمّ هي الخلافات المجتمعيّة، ابتداءً أقرأ لكم هذه الآية القرآنيّة التي تحذّرنا من أن يتحوّل الاختلاف الى نزاعٍ والنزاعُ الى صراعٍ، الآية القرآنيّة الكريمة التي حذّرت من ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
أحياناً حينما يكون هناك نزاعٌ بين طرفٍ وآخر، وكلّ طرفٍ يحاول أن ينتصر على الطرف الآخر ويهزمه، وحينئذٍ سيحاول الاستعانة بكلّ الوسائل وبأيّ ثمنٍ لكي ينتصر على الآخر من خلال إضعافه وهزيمته، وحيث أنّ كلّ طرفٍ له إمكاناتٌ وقدرات النتيجة ستكون إضعاف الجميع.
نوجّه كلامنا الى العشائر، ونوجّه كلامنا الى الكيانات المجتمعيّة، ونوجّه كلامنا الى الكيانات السياسيّة.. هنا هذه الآية القرآنيّة تُشير الى مجموعة أمور: (فتفشلوا) هذا واحد، (وتذهب ريحكم) اثنان، ليس هناك منتصرٌ بل نصيبُ الجميع هو الفشل، (وتذهب ريحكم) يعني ستذهب قوّتكم، وستكونون طعماً للآخرين، خصوصاً إذا كان الاختلاف الذي يؤدّي الى النزاع والصراع والتشاحن والتحارب بين كياناتٍ مجتمعيّة مهمّة: كالكيانات العشائريّة والكيانات السياسيّة أو من بيدهم مقاليد وزمام الأمور، ستُهدر الطاقات بدلاً من أن تُوظّف هذه الطاقات والإمكانات لخير البلد وخير الشعب، فهذه الطاقات والإمكانات والقدرات بدلاً من أن تُستثمر لخدمة الناس وخير الناس سيُغيّب عنها هذا الجهد والاهتمام والاعتناء، وتنشغل هذه الكيانات بمحاولة كلّ واحدٍ بأن يُضعف الآخر.