بالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية الامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة عقدت مؤتمرها الدولي الرابع الحوزة العلمية رائدة التجديد

27-03-2019
احمد صالح مهدي ‏
بالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية
الامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة عقدت مؤتمرها الدولي الرابع
الحوزة العلمية رائدة التجديد
تحت عنوان (علوم اللغة العربية بين الاصالة والتجديد)
تواصلاً لسلسلة نشاطاتها الفكرية، اقامت العتبة العباسية المقدسة المؤتمر الدولي الذي تقيمه بالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية في النجف الاشرف.
ويأتي هذا المؤتمر تحت عنوان (علوم اللغة العربية بين الاصالة والتجديد)، حيث شهد حضورا نخبويا لأساتذة ورجال حوزة، طرحت فيه مجموعة من البحوث الرصينة التي تهدف الى اعادة احياء اللغة العربية بين الاوساط الاكاديمية والحوزوية.
اليوم الاول من هذا المؤتمر شهد حفل الافتتاح الذي احتضنته قاعة المؤتمرات في معهد العلمين للدارسات العليا التابع لمؤسسة بحر العلوم الخيرية وسط حضور غفير يتقدمهم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد احمد الصافي( دام عزه) والامين العام جناب السيد محمد الاشيقر (دام تأييده).
ابتدأ الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت قارئ ومؤذن العتبة العلوية المطهرة الشيخ جاسم النجفي بعدها وقف الحضور لتلاوة سورة الفاتحة على ارواح الشهداء اعقبها عزف النشيد الوطني العراقي ونشيد العتبة العباسية المقدسة الموسوم بـ(لحن الاباء)، جاءت بعد ذلك كلمة العتبة العباسية المقدسة القاها الاستاذ الدكتور عباس الدده وجاء فيها:
نحن في العتبة العباسية المقدسة ندرك ان اللغة العربية هي المقوم للإنسان اذ تعد الوسيلة الاجدى للتعبير عن احتياجاته بشكل دقيق وواضح دون ايهام، من جانب اخر ان اللغة العربية حملت بين طياتها تراثا ثرا وغنيا تمثل بالإرث الاسلامي الكبير اذ تعد اللغة وعاء هذا الموروث الغني.
مبينا: ان الله سبحانه وتعالى اصطفى اللغة العربية لكلامه وهو بذلك اعطاها القوة وأكد علو شأنها على اللغات الاخرى ذلك انها متكاملة من عدة جوانب وتنفرد بخصائص لا نجدها في الاخريات وهي اللغة الوحيدة الخالدة بين لغات اهل الارض.
موضحا: يذهب احد المستشرقين ان صلاح اللغة يؤدي الى صلاح البلد واليوم نحن نشهد اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الامم المتحدة منذ العام 1973 لأنها اهل لذلك وصورة ملحة وهي حق ازلي ثبته الاسلام.
مؤكدا: على اهل اللغة العربية ان لا يقلوا من شأنها ويكفوا عن التقليل منها في مضمار التحدث القسري في منصات التواصل الوهمي وما هذا المؤتمر المبارك إلا خطوة باتجاه الارتقاء واعادة الروح للغة العربية الفصحى لا اللهجة العامية التي اخذت تنتشر بشكل كبير بين اوساطنا لاسيما الاكاديمية وبالتحديد دروس اللغة العربية فلابد من مناهج تؤدي الى تيسيرها في التفقه فيها لا من حيث التقليل منها.
وفي الختام ندعو الله ان يرحم اقطاب الحوزة العلمية وان يحفظ الباقين ويوفق القائمين على هذا المؤتمر المبارك ومعهم الباحثين الافاضل.
جاءت بعد ذلك كلمة لسماحة الشيخ محمد الخاقاني مسؤول ديوان الخاقاني بين فيها قائلاً:
يدلّ هذا المؤتمر بوضوح على عافية اللّغة العربيّة المتأصّلة في معاهدنا العلميّة والعمل على التجديد في منهاجها ما يلزم من تطوير تفعيلها في حياتنا الثقافيّة والعلميّة، وهو أمرٌ لا نشكّ بالحاجة اليه وما يُثمر من دراساتٍ وفعاليات في التمكّن من اللّغة العربيّة والتمكّن منها في التحصيل العلميّ والثقافيّ، بل وحتّى في الاستعمال اليوميّ السائد لما فيها من خصائص في الخطاب والتداول.
وأضاف: إنّ تحقيق هذا الغرض النبيل يتوقّف على تشخيص الخلل المُعيق الذي يعترض اللّغة العربيّة في زماننا المُعاصر وتقهقر فاعليّتها أوّلاً، وثانياً وضع الحلول ومعالجة الخلل.
مبيّناً: أستطيع القولَ وبكلّ ألمٍ وحرقة أن اللّغة العربيّة تُعاني أشدّ أنواع الاغتراب والاستبعاد والضياع والإهمال ومزاحمة العاميّة لها، بحيث أصبحت العامّية اليوم تُزاحم اللّغة الأمّ في ساحات التدريس والخطاب وغيرها، ودع عنك انحسار سطوة الشعر القريض وتقهقر فاعليّاته في الساحات الأدبيّة، وانحسار متذوّقيه وانكماش تفاعلهم معه، حتّى شاعت الأمّية الشعريّة في التذوّق حتّى في تقويم أوزانه وفهم معانيه.
ونحن وإن كنّا لا ننكر الأدب الشعبيّ حقّه في نشاطه وأخذ مجاله في ثقافة الشعوب؛ لأنّه بالأخير نتاجُ مواهب شعبيّة تفرضها الحالةُ الإنسانيّة، وكما لا ننكر أنّنا من متذوّقيه لما فيه من صورٍ رائعة، إلّا أنّنا ننكر أن تكون العاميّة بما هي عاميّة بديلاً عن اللّغة الأمّ في مواطنها كما يجري اليوم، وأن تواجه اللّغة العربيّة عسراً في الاستعمال وفي تقويم قواعدها اللّغويّة والنحويّة والصرفية كما يُعاني الشعر العربيّ من ذلك، والأمثلةُ على ذلك كثيرة مستمدّةٌ من واقعنا الثقافيّ.
ودعا الشيخ الخاقاني في كلمته إلى أن تكون اللّغةُ العربيّةُ الفصحى هي اللّغةُ التدريسيّة في الجامعات والمدارس واللّقاءات التلفزيونيّة وغيرها من مفاصل الحياة.
وأضاف: "ولو أردتُ أن أعدّد ما جرى على اللّغة العربيّة لما وسعني هذا المجال، إلّا أنّها صرخةُ مكلومٍ آلمَهُ أن تُصاب أمّ ثقافته ومرضعته منذ نشأته، وعاش بين أيدي أساتذةٍ كانوا يحرصون كلّ الحرص على تقويم اللّسان كما يحرصون على تقويم الأخلاق.
ومن ثمّ جاءت كلمةُ المؤتمِرِين التي ألقاها نيابةً عنهم الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي، والتي بيّن فيها:
إنّه لشرفٌ كبير أن أُنتدب لأُلقي كلمةً نيابةً عن زملائي الذين يشاركون في هذا المؤتمر، فالكلمةُ رسالةٌ تتجاوز التنميط وتستعصي على التصريف، والكلمةُ موقف.
وأضاف: نحن - المشاركين والحضور معاً - عانينا مسؤوليّة الكلمة بعُجرها وغُجرها، وما زلنا نعاني إذ باتت العربيّةُ تتكسّر بين أشداق معلّميها فضلاً عن متعلّميها، وقلقُنا مشروعٌ بإزاء هذه الحالة لكنّنا نشعر باطمئنانٍ حين ينعقد مؤتمرٌ أو تقوم حلقةٌ أو يُثار نقاشٌ، في أيّ موضوعٍ من الموضوعات التي تستظلّ بآية (اقرأ) وتستهدي بصاحب النهج، فيكون ذلك مدعاةً للاطمئنان أنّنا ما زلنا على جادّة الصواب، ولولا عنايةُ الله بلغةِ تنزيلِهِ لأصبحنا طرائق قدداً.
وتابع: أنقل إليكم تحيّات زملائي المشاركين من مختلف الأقطار العربيّة والإسلاميّة، وأحيّي الجهة الداعية والراعية على هذه الدعوة الكريمة التي يُحاول -نحن- حَمَلةُ الكلمة وسدنتُها أن نتنّفس فضاءً فصيحاً كريماً مباركاً يضعنا على طريقٍ لن ينتهي الى أن يرث الله الأرضَ وما عليها.
واختتم: أرجو لهذا المؤتمر النجاح إذ ينطلق من أصلٍ ثابت ويتوجّه لاستشراق مستقبلٍ زاهر، وأرجو أن نوفّق وإيّاكم لأن نسلك مسيرته وأن نوفّق فيه أيّما توفيق.
اما كلمة مؤسسة بحر العلوم الخيرية التي القاها امينها العام سماحة السيد محمد علي بحر بين فيها قائلا:
نلتقي أيّها الحضورُ الكريم من أجل تسليط الضوء على منجزٍ معرفيّ من منجزات الحوزة العلميّة في النجف الأشرف في تاريخها الطويل وأيّامها الصعبة، في ضمن سلسلة اللقاءات والمؤتمرات التي تسبق الوصول إلى نهاية الألفيّة الأولى من عمرها المبارك، وقد خصّص هذا اللّقاء للّغة العربيّة وآدابها.
تعدّ العلاقةُ المتبادلة بين علوم اللّغة العربيّة وعلوم الشريعة أمراً بديهيّاً؛ وذلك لأنّ اللّغة العربيّة هي لغةُ القرآن الكريم والحديث الشريف، وعليهما تُبنى عمليّةُ الاستنباط الفقهيّ، فيبدأ طالبُ العلم مسيرته العلميّة بالمفردة العربيّة بهيئتها الإفراديّة والتركيبيّة ليُبحر في بحرها طيلة سنواتٍ خمس، يطوي في خلالها علوم الصّرف والنحو والبلاغة والبيان بمستوياتها المختلفة، ومن دون أن يلمّ بهما إلماماً تامّاً لا يتمكّن من أن يمضي قُدُماً في الدرس الحوزويّ، فتنشأ بينه وبينها علاقةٌ حميمة تجعل لقواعد هذا العلم أثراً في مستقبله العلميّ، بل يرى أثرها في نبوغ أدبيّ ظهر على كثيرٍ من غير العرب، فاقتحموا آدابها نثراً وشعراً وأبدعوا في ذلك.
لم يكن دورُ الحوزات العلميّة فقط التعلّم والأخذ من علوم العربيّة بما يحتاجه الفقيه في فهم كتاب الله والسنّة الشريفة، وإنّما كانت هناك بصمةٌ واضحةٌ من الفقهاء والأصوليّين على علم النحو من خلال التعمّق في الدراسات اللّغويّة والنحويّة وجعلها جزءً من علم أصول الفقه، فظهرت نظريّاتٌ في الوضع والمعنى الحرفيّ والاشتقاق، وآراء في المعاني والبيان.
كما أنّ الحركة الأدبيّة عموماً مدينةٌ للحوزة العلميّة ببروزها كأحد المعالم الثقافيّة في هذه المدينة بشكلٍ واضح، من خلال المشاركة الفاعلة في النشاطات الأدبيّة المختلفة إن لم يكن هم مَنْ أنشاها، كما في ما يعرف بالمعارك الأدبيّة التي ظهرت في القرن الثالث عشر الهجري، وكذلك تشجيع غير الحوزويّين في إبراز مواهبهم الأدبيّة ودعمها، مضافاً إلى ما أنتجه علماؤها من نتاجٍ أدبيّ وعلميّ، فصاغوا علومهم الأصوليّة والفقهيّة بطابعٍ شعريّ كما في الأراجيز الفقهيّة والأصوليّة والعقائديّة، كلّ هذا أدّى إلى تميّز هذه المدينة بالصبغة الأدبيّة حتّى باتت من كبريات المدن العربيّة في هذا الميدان، وأصبح لأُدبائها شأنٌ إقليميّ وعالميّ.
ولا يفوتُنا الشعرُ الثوريّ الذي يهيّج العواطف ويدفع نحو الثورة ويقارع الظالم سواءً في الداخل أو الخارج، فكانت القصائدُ تتوالى في القرن الماضي وتنتقد الاستبداد، وكذلك كانت للثورات العربية التي نهضت ضدّ الاستعمار وطالبت بالحرّية والاستقلال.
كلّ هذا وغيره دعا العتبة العبّاسية المقدّسة ومؤسّسة بحر العلوم الخيريّة ليكون مؤتمرها الرّابع في مسيرة الحوزة رائدة التجديد عن علوم اللّغة العربيّة وآدابها، وتشجيع الباحثين ليُدلوا بدلوهم وببنات أفكارهم في عرض تلك العلاقة الوطيدة والإنجازات التي تمّ تحقيقُها، وذلك الجهد الذي بذله الماضون من علماء الحوزة العلميّة في الحفاظ على لغة الضاد والتعمّق في العديد من مواضيعها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الباحثين في التوصّل إلى نتائج ملموسة تدفع بعجلة العلم نحو التطوّر والرقيّ والإبداع، وأن يوفّقنا لنُكمل المسيرة للأعوام القادمة.

ضمن فعاليّات المؤتمر الدوليّ الرابع
لعلوم اللّغة العربيّة وآدابها بين الأصالة والتجديد
الجلسة البحثية الأولى

ابتُدِئت أعمالُ أولى الجلسات البحثيّة المنضوية ضمن فعاليّات المؤتمر الدوليّ الرابع لعلوم اللّغة العربيّة وآدابها بين الأصالة والتجديد، الذي تُقيمه العتبةُ العبّاسية المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة تحت شعار: (الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ)، وبحضور ومشاركة باحثين ومفكّرين وأكاديميّين من داخل العراق وخارجه، هذا بالإضافة الى حضور المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي( دام عزه).
الجلسة البحثيّةُ الأولى التي احتضنتها قاعةُ الشيخ الطوسي للمؤسّسة في محافظة النجف الأشرف تُعدّ واحدةً من أربع جلساتٍ ستُعقد تباعاً، وبواقع جلستين في المؤسّسة وجلستين في قاعة الإمام الحسنA في العتبة العبّاسية المقدّسة.
الجلسةُ الافتتاحيّة ترأّسها الأستاذ الدكتور حاكم حبيب الكريطي واشترك فيها كلٌّ من:
- الأستاذ الدكتور رحمن غركان، وكان بحثه بعنوان: (محمد بحر العلوم في انطباعاته النقديّة).
- الدكتور علي يوسف نور الدين، وبحثه بعنوان: (دور الحوزة العلميّة في النجف في خدمة العربيّة وشهرة علمائها في العصر الحديث).
- الأستاذة الدكتورة هيام عبد زيد، وكان بحثها بعنوان: (أثر الحوزة العلميّة في حركة التصحيح اللغويّ.. الشيخ الكرباسي أنموذجاً).
- الأستاذ الدكتور حيدر جبار عيدان أبو صيبع، وكان بحثه بعنوان: (الدرس النحويّ في الحوزة العلميّة.. الشيخ محمد علي المدرّس المعروف بـ(المدرّس الأفغاني) 1329 – 1406هـ أنموذجاً).
- الدكتور جاسم فريح دايخ الترابي، وكان بحثه بعنوان: (مناهج التّأليف اللّغويّ في الحوزة العلميّة.. دراسة وتقويم).
- الأستاذ محمد نعمة السماوي، وعنوان بحثه: (النجف رائدةُ التجديد في الشعر العربيّ.. الشيخ عبد الحميد السماويّ مثالاً).
- الدكتور صباح عنوز، وبحثه كان بعنوان: (شعر السيد محمد بحر العلوم -رحمه الله- بين قيم التكوين الفنّي وقصديّته في نقد الواقع المعيش).
هذا وقد شهدت هذه الجلسةُ ونتيجةً لقوّة هذه البحوث وطرحها المتّسم بالحداثة وغير المتداول سابقاً، العديدَ من المداخلات والملاحظات والاستفهامات من قِبل الحاضرين التي أجاب عنها الباحثون موضّحين ما كان بحاجة الى توضيح.

الجلسة البحثية الثانية

ادار الجلسة الأستاذ الدّكتور رحيم الحسناوي، وشهدت قراءةً لملخّصات سبعة بحوث، وكانت كما يلي:
- الأستاذ المساعد الدكتور مرتضى الشاوي، وكان بحثه بعنوان: (الشيخ عبد الكريم حسين فرج الله الأسدي.. ملامح من سيرته وثقافته الأدبيّة)، وقد تناول الباحث نبذةً عن حياة الشيخ عبد الكريم من ولادته ونسبه وحياته الدراسيّة ووفاته، فضلاً عن أهمّ ما يتميّز به ونتاجه الفكريّ المأثور وملامح من ثقافته الأدبيّة.
- الأستاذ الدكتور سمير الخليل وكان بحثه موسوماً بـ(النسق الثقافيّ وأثره في دراسات محمد بحر العلوم)، وقد شمل دراسات السيّد محمد بحر العلوم الثلاث محدّداً كيفيّة تحكّم النسق الثقافيّ بها اختياراً ومعالجة، فالسيّد اختار ثلاثة شعراء هم الشريف الرضي والحسين بن الحجاج والفرزدق، ودرس حياتهم وشعرهم بتوثيقات تفصيليّة، مبرزاً بعض الملامح وغاضّاً الطرف عن بعضها انسجاماً.
- الباحثة دينا فؤاد جواد، وكان بحثها بعنوان: (دور علماء الحوزة العلميّة في الحفاظ على اللّغة العربيّة من التتريك) وبيّنت الباحثة أنّ للسيّد المجدّد الشيرازي الفضل الكبير في الحفاظ على اللّغة العربيّة، من خلال هجرته المباركة وطريقته في مواكبة الأحداث، وزرع الوعي الفكريّ الإسلاميّ وحبّه للشعر وتقريبه للشعراء، وقد خلّف أجيالاً حملت أفكاره ورؤاه وطبّقوها على ساحة الواقع، وأنّ لعلماء الحوزة العلميّة من تلامذة السيّد الشيرازي دوراً كبيراً في حماية اللّغة العربيّة.
- الباحث يوسف البيومي وكان بحثه بعنوان: (الحوزةُ العلميّة وقراءة النصِّ الدينيّ -القرآن الكريم-)، وأشار فيه الى خصوصيّة اللّغة العربيّة والتصاقها الوطيد بالنصّ الدينيّ خاصّةً بما أنّه لغة القرآن العظيم، وكذلك تطرّق ببحثه إلى بعض الأعمال التي عمل بها أساطينُ العلم في الحوزة العلميّة في تبيان القصد من النصّ الدينيّ خاصّةً النصّ القرآنيّ ومعالجتهم له.
- الدكتور محمد علي جلو نكر وكان بحثه بعنوان: (العلاقات الأدبيّة بين حوزتَيْ النجف الأشرف وأصفهان.. أبو المجد محمد رضا النجفيّ الأصفهانيّ مثالاً)، البحث تناول دراسة العلاقات الأدبيّة بين الحوزتين العلميّتين في أصفهان والنجف الأشرف، وتسليط الضوء على الميزات الأدبيّة لأبي المجد الأصفهاني الذي تأثّر بحوزة النجف تأثيراً شديداً.
- المدرّس الدكتور رياض عبد الرحيم وكان بحثه بعنوان: (البحث النحويّ في تفسير البيان للعلّامة الطباطبائي)، حيث سلّط البحثُ الضوء على تفسيرٍ لم يُعرفْ بصورةٍ واسعة على الساحة التفسيريّة، بالرغم من كونه تفسيراً يجمع بين الفنّ القرآنيّ والإعجاز البيانيّ الوارد في الآيات القرآنيّة، وبين البيان الروائيّ المفسّر والموضّح لتلك الآيات المباركة، وكيف أنّ المفسِّر استفاد من القاعدة النحويّة في تحديده لبعض النكات التفسيريّة للآيات التي وقف على بيانها وتحديد مصاديقها بصورةٍ عامّة، وكيف أنّه -رحمه الله - حافظ على أصالة اللّغة العربيّة، ومدى دورها في فهم النصّ القرآنيّ.
هذا وقد شهدت هذه الجلسةُ ونتيجةً لقوّة هذه البحوث وطرحها المتّسم بالحداثة وغير المتداول سابقاً، العديدَ من المداخلات والملاحظات والاستفهامات من قِبل الحاضرين التي أجاب عنها الباحثون موضّحين ما كان بحاجة الى توضيح.

الجلسة البحثية الثالثة الصباحية
تغطية : علي طعمة
بمشاركةٍ واسعة ومميزة من الأكاديميين ورجال الدين افتتحت أعمال الجلسة البحثية الصباحية الثالثة المنضوية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الرابع لعلوم اللغة العربية وآدابها بين الأصالة والتجديد، الذي تقيمه العتبة العباسية المقدسة وبالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية تحت شعار: (الحوزة العلمية رائدةُ التجديد).
الجلسة حضرها المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، وأمينها العام المهندس محمد الأشيقر (دام تأييده)، واحتضنتها قاعة الإمام الحسن A في العتبة العباسية المقدسة، استهلت بآي من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحاضرين المقرئ عمار الحلي.
الجلسة التي أدارها الأستاذ الدكتور صاحب أبو جناح شهدت قراءة لملخصات تسعة بحوث وكانت كما يلي:
البحث الأول/ تحت عنوان (موقف الشيخ محمد الجواد الجزائري من تيسير النحو العربي) للأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي من كلية العلوم والآداب/ جامعة نزوى في سلطنة عمان, والذي تضمن وقوفه على آراء الشيخ في (النحو) خاصة إذ لم يحظ بعناية الباحثين والدارسين في ذكره والعناية والتنويه بمكانتها وما كتبه الأستاذ الدكتور نعمه رحيم العزاوي (رحمه الله) وهو المعني بدراساتٍ تركت أثراً بالغاً في تيسير العربية ولا سيما النحو العربي في كتابه (أعلام نجفيون– دراسات في اللغة والنحو والأدب) المطبوع احتفاء بالنجف الاشرف عاصمة الثقافة الإسلامية سنة 2010م، فتناول بالتحديد الدقيق آراء الشيخ محمد جواد الجزائري في ملاحظته على تلك الاقتراحات.
وقد كرر الزبيدي النظر في هذه الآراء متفقا أو مختلفا؛ لأنه من مدرسةٍ وطّد أستاذه العلامة مهدي المخزومي سبيلها في إحياء ما صحّ من نحو الخليل والفراء, ووصله بما جد من نظراته.
البحث الثاني للأستاذ الدكتور آمال حسين علوان من كلية الفقه جامعة الكوفة وعنوان بحثها أدباء التاريخ الشعري في حوزة النجف الاشرف في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين- دراسة وصفية).
وقد بينت الباحثة بأن فترة القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين كانت مظلمة حسب ما عدها الباحثون بالرغم من كثرة العلماء والأدباء في تلك الفترة.
وهذا بطبيعته تجنٍّ على هذين القرنين في مدرسة النجف الاشرف، فقد دعا الشيخ محمد رضا الشبيبي (رحمه الله) إلى إحصاء عدد الأدباء في عصر السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ، فكانوا أكثر من مائتي شاعر وهو رقم له دلالاته الكبيرة في عصر وصف بالعصر المتقدم.
البحث الثالث للأستاذ الدكتور قصي سمير الحلي من كلية الإمام الكاظم A للعلوم الإسلامية الجامعة وعنوان بحثه منهج النقد الغوي عند علماء الحوزة العلمية – السيد علي بن طاووس أنموذجاً، وتضمن بحثه بأن لعلماء الحوزة العلمية السبق في ميادين الدراسات القرآنية، والعمل على تفسير القرآن الكريم وبيان معانيه ومضامينه والوقوف على نكته اللغوية والنحوية، مقتدين بأئمتهم D الذين هم عدل القرآن.
ولعل من أهم أسباب عناية علماء الحوزة العلمية بعلوم اللغة العربية هو أهمية القرآن نفسه وعظمة أمره ثم الاقتداء بالنبي J، والأئمة من أهل بيته D في ذلك، وهكذا أضحت منارة أمير المؤمنين الإمام علي A قبلة العلماء والعارفين جيلاً فجيل.
البحث الرابع للمدرس الدكتور سامر عبد الكاظم جلاب من جامعة بابل/ كلية التربية الأساسية وعنوان بحثه تأريخ الأدب العربي قراءة نقدية منجز محمود البستاني مثلاً وقد بين في بحثه أن قراءة تاريخ الأدب العربي ذات ارتباط عميق بالتراث الأدبي سواء كان جاهلياً أم إسلامياً من جهة، وضرورة اعتمادها رؤية شمولية وإدراك واسع كامل للتراث العربي طيلة الحقب الممتدة من العصر الجاهلي حتى وقتنا الحاضر من جهة أخرى. ونتيجة لذلك تتحقق رؤية واقعية صائبة للتراث بصورة عامة بما يدعم الأدب الإسلامي المعاصر، فقد حدد المؤرخون تاريخ الأدب كلاً حسب رؤيته ومرجعياته الثقافية.
البحث الخامس للدكتور ومحمد عبد الرحمن عريف من جمهورية مصر العربية وعنوان بحثه اثر النجف في الحفاظ على اللغة العربية بدعمها العلماء والمكتبات العامة وتضمن بحثه بان مدينة كربلاء المقدسة والكاظمين وسامراء فيها كواكب العلماء في اللغة العربية وليست النجف الاشرف فقط، وكذلك المكتبات العريقة في محافظات العراق كانت ومنذ قرون مراكز للعلم والاجتهاد ونشر العلوم والمعارف الإسلامية وتعاليم الرسالة، وعلى رأسها اللغة العربية .
البحث السادس/ الشيخ الدكتور عماد الكاظمي من العتبة الكاظمية المقدسة وعنوان بحثه (السيد هبة الدين الشهرستاني وإسهاماته في علوم اللغة العربية – عرض وقراءة موجزة). والذي بين في بحثه ان السيد هبة الدين كان من الأعلام الذين لهم السبق في إتقان علوم اللغة العربية التي غدت من اهم العلوم التي يتقنها الباحث في القرآن الكريم خاصة، وعلوم الشريعة المقدسة عامة، فضلاً عن العلوم الاخرى المختصة بها التي عدت من ضروريات الدراسات الشرعية في الحوزة العلمية لتوقفها على فهم نصوص الشريعة المقدسة في استنباط الحكم الشرعي، وعلاقة ذلك بمباحث الالفاظ وغيرها، فنظم الأراجيز تارة، وكتب الرسائل ثانيةً وعلق على مباحث ثالثة.
المبحث السابع/ الباحث الدكتور عاطي عبيات/ قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة فرهنكيان، جمهورية إيران وعنوان بحثه المدائح والمراثي في الشعر النجفي والذي تحدث عن العصور المنصرمة التي مر بها المجمع الإسلامي بظروف سياسية واجتماعية ودينية وقد ابتليت الامة بمفاسد ومخاطر جمة في مسيرتها.
وكان أئمة أهل البيت D لهم الريادة في الدفاع عن الدين ونصرته فجاهدوا واستشهدوا في سبيل كلمة الحق وكان الشعراء في كل زمان هم اللسان الناطق بما يتلجلج في قلوب المسلمين ونفوسهم الخيرة فقد قام بعض الشعراء بنصرة أهل البيت D والدفاع عن حقهم المغتصب بذكر فضائلهم ورثاء مأساتهم ومن هؤلاء الشعراء الملتزمين بحب أهل البيت D في العصر الحديث هو الشيخ عبد الحسين الحويزي النجفي من أعلام شعراء حوزة النجف الاشرف لمع في الشعر وترك ثروة شعرية هائلة، فشعره ذاخر بالمبادئ الوطنية والدينية وكثير شعره في المدح والرثاء لأهل البيت D فمدح عظمة الرسول بملحمة فريدة البيان ورثاء الإمام الحسين A وأصحابه بدموع حارقة وألفاظ ومعان تثير الخواطر وتسخر النفوس وتستمطر الدموع والصفة المميزة في الرثاء عند الشاعر الحويزي هي رسم الصورة الكاملة في شعره عن مظلومية آل البيت D.
البحث الثامن/ الأستاذ الدكتور علي خضير حجي وعنوان بحثه مدونات الأدب النجفي المخطوط في حوزة النجف العلمية.
البحث التاسع/ للدكتور محمد مناضل عباس وعنوان بحثه المصطلح النحوي لابن العتائقي.

ضمن فعاليات اليوم الاول
اقامة امسية للشعر الفصيح

شهد المؤتمر ضمن فعاليات اليوم الأول، اقامة امسية للشعر الفصيح لنخبة من الشعراء العراقيين كان لهم حضور مميز على منصة مؤسسة بحر العلوم الخيرية ضمن امسية حضرها جمع غفير.
الأمسيةُ هذه تُقام لأوّل مرّة ضمن فقرات سلسلة المؤتمرات العلميّة الموسومة بـ(الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ)، وقد وُضعت ضمن منهاجه وذلك لارتباط الشعر العربيّ الوثيق بعلوم اللّغة وآدابها.
اشترك في هذه الأمسية الشعريّة التي شهدت حضوراً لشخصيّاتٍ دينيّة ومفكّرين وأدباء من داخل وخارج محافظة النجف الأشرف كلٌّ من:
1- السيد محي الجابري.
2- الأستاذ حسين القاصد.
3_ الدكتور عبد الكاظم جبر
4- الشاعر ثامر العسّاف.
5- الطفل الموهوب صادق الغريفي.
6- الشاعر نجاح العرسان.
7- الشيخ إبراهيم النصيراوي.
8- الشاعرة مسار الياسري.
9- الشاعر ياس السعيدي.
10- الشاعر رضا السيد جعفر.
11- الشاعر مهدي النهيري.
12- الشاعر قاسم التميمي.

ختام مؤتمر اللغة العربية

تغطية / حيدر داوود
شهدت فعالياتُ الختام والتي حضرها المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) الابتداء بجلسةٍ بحثيّة دارها الدكتور علي الأعرجي وشهدت قراءةً لملخّصات بحثين، وفيما يلي اسم كلّ باحث وعنوان بحثه:
1- م.م محمد علي عبّود المرعبي: (التدبّر وأثره في انسيابيّة تعلّم علوم اللّغة العربيّة – دراسة في الواقع الحوزويّ وآفاق التطوير).
2- أ.م.د محمد نوري الموسوي وأ.م.د نجلاء حميد مجيد: (كلام الإمام الحسن - عليه السلام - في كتب غريب الحديث.. كتاب -مجمع البحرين- للطريحي أنموذجاً).
أعقبها بعد ذلك الإعلان عن البيان الختاميّ للمؤتمر مع التوصيات التي ألقاها رئيسُ اللّجنة العلميّة والتحضيريّة للمؤتمر الأستاذ الدكتور عقيل الخاقاني، وفيما يلي نصّ البيان والتوصيات:
الحمدُ للّه ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أفصح مَن نطق بالضاد، رسولِه المصطفى محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبعد:
فلا شكَّ في أنّ الثقافة الاسلامية تختلف عن ثقافات الأديان الاخرى، فهي ثقافة تدور في فلك الدراسات اللغوية والادبية، على أنَّ مَن أراد أن يفهمَ الاسلامَ وتشريعاتِه وتعاليمَه لابدَّ من أن يفهم علومَ العربية وآدابَها أولا، وعلى هذا كانت الدراسات الاسلامية في المدينة المنورة قبل أن تنتقل إلى البصرة وغيرِها من الأمصار الاسلامية، لتبلغ ذروتها في الكوفة بعد أن اتخذها الامامُ عليُّ بن أبي طالب A عاصمةً للدولة الاسلامية، وأسَّس في مسجدها المعظمّ أولَّ مدرسة تُعنى بعلوم الشريعة والفكر واللغة والأدب.
وفي أثناء ذلك ((بقيت الكوفةُ تصبُّ في بحر النجف))، على حدِّ قول الشيخ علي الشرقي (رحمه الله)، وقد بدأت العمارةُ تتسع في النجف وبدأ السكن ينمو فيها على نحو تدريجي، مع ظهور قبر الإمام أمير المؤمنين A في القرن الثاني الهجري، ثمَّ ينتقل الشيخ الطوسي عام (448هـ) إليها، ليُنيخَ برحله فيها ويؤسِّسَ مدرستها العلمية، فيتوافد عليها طلابُ العلم، حتى بلغ عدد المجتهدين الذين يحضرون حلقة درسه (300) ثلاثمائة مجتهد، ثمَّ تتزايد الهجرة إلى النجف منذ ذلك الوقت، أي منذ أواسط القرن الخامس الهجري، إن لم تكن قبل ذلك، من بلدان شتّى، من لبنان، ولاسيّما جبل عامل والبقاع، ومن حلب وشمال سوريا، ومن البحرين والقطيف، ومن قفقاسيا وإيران وتركستان وأفغانستان والهند واندنوسيا والصين ...، إلى غير ذلك من البلدان، وكلُّ هؤلاء جاءوا لينهلوا من معين النجف، من علومها وآدابها، وليتفقهوا في الدين، ومن ثمَّ ليعودوا إلى بلدانهم أعلاما في الفقه والأصول والفكر والأدب.
ومن اللافت للنظر أنَّ هؤلاء جميعا قد تأثروا بالنجف، بل انصهرت ثقافاتهم المختلفة في ثقافة هذه المدينة المقدسة، وبقيت النجف، في أثناء ذلك وما زالت، مدينة رصينةً عصيةً، محتفظة بطابعها العربي الاسلامي الأصيل، لم تنفصل عن جذورها، برغم ما أصابها من حيف وما أحاط بها من أخطار جمّة، وما مرّت بها من تجاربَ عسيرةٍ، وما انتابها من هزّات عنيفةٍ عبر قرون خلت.
من هنا، عُدّت النجف إحدى الحواضر العربية الاسلامية التي أسهمت، ولمّا تزل تُسهم، في إحياء التراث العربي الاسلامي، ورفد حركة الفكر والثقافة، بما تمتلكه من مقوّمات علمية وثقافية واجتماعية واقتصادية...؛ لذا ليس بدعا على النجف أن يكون لها هذا الدور الكبير والأثر العظيم في الحفاظ على العربية وآدابها، بحوزتها ومجالسها العلمية والأدبية واتحاداتها وجمعياتها ومنتدياتها الفكرية والثقافية والأدبية.
إذن، ليس من أحدٍ يُنكر على علماء النجف وأدبائها حرصهم ودفاعهم عن لغتهم، والعناية بها والحفاظ على سلامتها، غيرْةً على الدين والعربية معا، جزءا من رسالتهم الشرعية والوطنية والعلمية والأخلاقية. ولعلَّ أبرز ما تميّزت به جهود هؤلاء العلماء والأدباء في الحفاظ على العربية، تلك النزعة العقلية النقدية للمدرسة النجفية، بحكم طبيعة هذه المدرسة العلمية التي تقوم على الاجتهاد، فلم يقتصر هذا الطابع الاجتهادي العقلي النقدي على مباحث الفقه والأصول، إنّما امتد إلى الدراسات اللغوية والأدبية، فبرز علماء حوزيون جمعوا بين العمق المعرفي، والعقل المنهجي، والحسِّ اللغوي، والوعي النقدي.
ومع أنَّ العربية قد أُصيبت، عبر تاريخها الطويل، بعدّة مِحنٍ وأزمات، لعلَّ أشدَّها تلك الموجة التي ركبها عددٌ من أبنائها لطمس معالمها وأصولها، كدعوة بعضهم إلى الكتابة بالعاميّة؛ بدوافعَ وحججٍ شتّى، منها صعوبةُ تعلُّم العربية وعجزُها عن أداء المعاني العلمية. وكان علماء العربية وأدباؤها، ولاسيّما علماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وأساتذتها قد أثبتوا، بما كتبوا من دراساتٍ وبحوث ومقالاتٍ قيّمة في هذا الشأن، أنَّ العربية لغةٌ حيّةٌ قادرةٌ على مواكبة التطورات العلمية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم اليوم؛ فالله (عزّ وجل) لا يختم كتبه وصحفه بلغة عاجزة عن أن تكون لكلِّ زمانٍ ومكان.
وهذا ما حمل الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتماد اللغة العربية التي تُعدُّ من أقدم اللغات الحيّة التي حافظت على أصولها وقواعدها؛ لتكون إحدى اللغات الرسمية في المنظمة الدولية، بقرارها ذي الرقم 3190 في الثامن عشر من كانون الأول من عام 1973م، في أثناء انعقاد الدورة (28) الثامنة والعشرين لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو)؛ فأضحت العربية اللغة السادسة، إلى جانب (الانجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الروسية، والصينية)، ومن ثمَّ اعتمد الثامن عشر من كانون الأول من كلِّ عام يوما عالميا للّغة العربية، وذلك في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2012م، في أثناء انعقاد الدورة (190) مائة وتسعين للمجلس التنفيذي لليونسكو.
من هنا شعرت العتبة العباسية المقدّسة ومؤسسة بحر العلوم الخيرية بضرورة أن تُعقدَ إحدى حلقات سلسلة مؤتمراتهم الدولية الموسومة بـ(الحوزة رائدة التجديد) على (اللغة العربية وآدابها)؛ للكشف عن دور علماء الحوزة العلمية وأساتذتها في الحفاظ عليها، تأصيلا وتجديدا، واقعا ومستقبلا، تأليفا ونشرا وتحقيقا وتيسيرا وتعليما لغير الناطقين بالعربية، بما يؤدي إلى قراءة النصِّ الديني، ولا سيّما النصِّ القرآني، قراءة واعية دقيقة، فضلا عن دورهم في إحياء فنون الأدب العربي والتجديد فيها. وهذا ما كشفت عنه بحوث مؤتمرنا هذا.
إذن، نحتاج اليومَ أكثر من أيِّ وقت مضى، إلى قدْرٍ كبير من الوعي والعمل المنهجي؛ لكي نحفظ للغتنا الجميلة ألقها وهيبتها ومكانتها، بما يتناسب مع طبيعة التحديات التي تواجهها.
وفي ضوء ما تقدّم، فقد انتهى مؤتمرنا هذا إلى عدّة توصيات، نجملها على النحو الآتي:
التوصيات:
1- إنشاء مجمعٍ للّغة العربية في النجف الأشرف، يُعنى بدور النجف في الحفاظ على لغة القرآن الكريم، تأصيلا وتجديدا وتيسيرا وتأليفا ونشرا وتحقيقا.
2- نشر ثقافة القرآن الكريم، وتأكيد العلاقة الصميمة والمصيرية بين القرآن الكريم من جهة واللغة العربية من جهة أخرى؛ على أنَّ القرآن هو الذي حفظ اللغة العربية من الضياع والعربية هي التي تمكننا من الوقوف على أسرار التعبير القرآني.
3- مخاطبة أقسام اللغة العربية في الجامعات كافّة، بدراسة الجهد اللغوي والأدبي الحوزوي، وأن لا يقتصر البحث فيه على طلبة الدراسات العليا، بتخصيص عدد من عنوانات بحوث التخرّج لطلبة الدراسة الأولية لدراسته، فمع أنَّ رسائل جامعية كثيرةً قد كُتبت في هذا الشأن، بيدَ أنَّ جزءا ليس بالقليل منه لم يُكشف عنه بعدُ.
4- عقد المؤتمرات والندوات التي تصبُّ في مجرى الحفاظ على لغتنا الجميلة، على أن يجري الإعداد لها مبكرا؛ لتكون مؤتمراتٍ علمية لا إعلامية، وأن يُدعى إليها أساتذة متخصّصون من شتى البلدان ممّن يُشهد لهم بكفايتهم وحرصهم ورصانتهم العلمية، وأن تنبثق من رحم هذه المؤتمرات والندوات لجانٌ لمتابعة تنفيذ توصياتها.
5- أن تكون العربية الفصحى لغة المحاضرات والمناقشات والمؤتمرات والندوات العلمية والثقافية، والاحتفالات، سواءٌ أكان على الصعيد الحوزوي أم الأكاديمي أو الرسمي
6- تأليف لجان مشتركة من أساتذة الحوزة العلمية والجامعة للنظر فيما يُنشر في الاحتفالات والمناسبات الدينية، بما في ذلك الأشعار والأقوال التي تُنسب إلى الرسول J وأئمة أهل البيت D؛ للتحقّق من صحة صدورها عنهم وسلامة لغتها.
7- تيسير قواعد العربية وتطوير مناهجها وطرائق تدريسها، بما يتناسب مع طبيعة العصر.
8- أن يخضع الطلبة الذين يُقبلون في أقسام اللغة العربية إلى اختبار في (الكفاية اللغوية)، ونحن إذ نثمّن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي توجيهها بضرورة أن يجتاز الطلبة المتقدمون للدراسات العليا في التخصّصات العلمية والإنسانية كافّة اختبارا في اللغة العربية، شرطا من شروط قبولهم، فإنّا لنرجو أن لا يكون ذلك على سبيل إسقاط الفرض، إنّما يكون اختبارا حقيقيا، وأن يُلزم الذين لا يجتازون هذا الاختبار بالاشتراك في دورةٍ في سلامة اللغة العربية، من شأنها أن ترصِّنَ لغتهم وتؤهلهم لاجتياز هذا الاختبار.
9- مخاطبة أقسام اللغة العربية في الجامعات كافّة، بأن لا تكون الخبرة اللغوية للرسائل الجامعية عملية شكلية، بغض النظر عن المبلغ الزهيد المخصّص للمقومين اللغويين؛ ذلك بأنَّ الواجب الشرعي والوطني والعلمي يقتضي أن يقرأ التدريسيون المتخصّصون في اللغة العربية وآدابها رسائل (الماجستير) و(الدكتوراه) التي تصدر عن الأقسام العلمية غير المتخصّصة قراءة دقيقة؛ لتشخيص ما يرد فيها من أغلاط لغوية وتصويبها، ومن ثمَّ إلزام كتّابها بالأخذ بها قبل إجازتها.
10- دعم المجامع العلمية والاتحادات الأدبية معنويا وماديّا؛ بما يصبُّ في مجرى الحفاظ على سلامة اللغة العربية.
11- تخصيص المبالغ الكافية في باب من أبواب الموازنة المالية العامة؛ لتنفيذ الخطط والبرامج التي من شأنها العناية بلغة الضاد.
12- مخاطبة الجهات الرسمية العليا بأهمية وضع ضوابط للحفاظ على سلامة اللغة العربية في مؤسسات الدولة كافّة، والأجهزة الإعلامية (المرئية والمسموعة والمقروءة)، وتفعيل عمل (الخبير اللغوي)، والقوانين والأنظمة التي سُنّت في هذا الشأن، على أنَّ اللغة ليست وسيلة للتخاطب فحسب، إنّما هي هويّةُ المتكلم وأسُّ ثقافته وعلومه، ومكنونُ عقله ومدركاته النفسية الشعورية واللاشعورية، ومرآةُ المجتمع في أدبه وثقافته وحضارته، وأداة الترجمة ومحور التواصل والاتصال والحوار الحضاري بين الأمم والشعوب في كلِّ ميادين الحياة الإنسانية وشؤونها، والنافذة الفريدة لفهم العقل البشــري وطبيعتـه، لذا إنَّ التخصّص في أيّة لغة، ولاسيّما اللغات الحيّة الفاعلة كالعربية، يتطلب الجمع بين المهارة والمعرفة، أي القدرة على التحدّث والمعرفة بعلوم تلك اللغة وآدابها وأساليبها وطرائق تعبيرها، وبخاصّةٍ بعد أن دبَّ اللحنُ فينا حتى وصل إلى خاصّتنا.
وفي الختام، تم تكريم الباحثين المشاركين في هذا المؤتمر الذين جَاءُوا من مختلف البلدان الاسلامية.

لقاءات المؤتمر

أجرى اللقاءات / احمد صالح
الشيخ أحمد جعفر الفاطمي/ طالب بالحوزة العلمية في النجف الأشرف:
نشكر الله تعالى على هذه الخطوة الكبرى بأن عادت الحياة الفكرية الى باحة مدينة النجف الاشرف التي لطالما كانت مركز الاشعاع الفكري عبر الازمنة الغابرة بالرغم من التضييق الذي لاقته بفترات متعاقبة، ولكنها وقفت رغم كل الظروف لتثبت انها الأم الولود للعلم والفكر الرصين.
وما هذا المؤتمر إلا تعضيد لتلك المسيرة الوضاءة اذ نجد هذا الحضور الغفير من الشخصيات العلمائية والاكاديمية يجتمعون على طاولة بحث واحدة يتناولون موضوعا مهما وحساسا يخص تاريخ وتراث الاسلام الا وهي اللغة العربية التي انزل بها القرآن الكريم على لسان نبينا الامي كل التوفيق للقائمين على هذا المشروع المبارك.
الاستاذ عبد الحسين الخزاعي/ باحث:
خطوة موفقة من العتبة العباسية المقدسة وهي تشرع بإقامة هكذا مؤتمرات تغني الفكر الاسلامي الرصين من جهة ومن جهة اخرى تؤسس لمشروع فكري على المدى البعيد. واللافت للنظر انها تحرص على التعاون مع المؤسسات الرصينة من اجل الخروج بتوصيات مهمة قابلة للتطبيع على ارض الواقع. حقيقة، هذا المؤتمر المبارك انما هو صورة واقعية لمدى حرص المؤسستين على اعادة الروح لمكتباتنا وتوفير مساحة رحبة للباحث من اجل ان يدلو بدلوه خدمة للمسيرة الفكرية التي عاشتها الحوزة العلمية منذ مئات السنين واليوم هذا المؤتمر انما هو امتداد لتلك المسيرة المبارك، كل التوفيق والسداد للقائمين على هذا المؤتمر.
الدكتور محمد علي جلو نكار من جمهورية ايران الاسلامية:
لابد من الاشادة بدور العتبة العباسية المقدسة التي عودتنا على هكذا مبادرات وهي تسعى من خلال هذه المؤتمرات الى ترصين البحث العلمي باعتماد ابنية ذات اسس رصينة تتمثل بالحوزة العلمية الشريفة في هذه المدينة حيث العلماء والعلم الموروث عن السلف، فقد وجدنا التنظيم والاهتمام الكبيرين فضلا عن الحضور والمشاركة لعلماء من الحوزة وايضاً الاساتذة الجامعيين والباحثين الذين طرحوا امورا مهمة تخص اللغة العربية ودورها الكبير داخل المجتمع فضلا عن وضع المقترحات التي من شأنها ان تعيد هذه اللغة الى مكانتها الطبيعية، شكر وعرفان الى القائمين على هذا المؤتمر المبارك.
الشيخ عماد الكاظمي:
مما لاشك فيه ان مثل هذه المؤتمرات لها الاهمية الكبيرة لما فيها من عملية تلاقح للأفكار بين الاكاديميين وايضا العلماء وطلبة العلوم الدينية من جهة اخرى يجب ان يتعرف كل من الطرفين على كيفية تفكير الاخر بالرغم من ان رافد العلم هو واحد ولكن هنالك اختلاف في طريقة التفكير وايضا المنهج فيه اختلاف فمثل هذه المؤتمرات لابد من ان تعقد لأجل التواصل بين الطرفين.
والعتبة العباسية المقدسة حقيقة رائدة في هذا المضمار لما شهدناه على مدار السنوات الماضية من ملتقيات فكرية متنوعة من ضمنها هذا المؤتمر المهم الذي جاء بالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية، شكرنا وتقديرنا لكل من ساهم في انعقاد هذا المؤتمر وان شاء الله الى مزيد من التقدم على المستويات المختلفة.
الدكتور نزار الهلالي:
دأبت المؤسسات الدينية على مدار العقد المنصرم على عقد مثل هكذا ندوات فكرية واخرى علمية فلم تقتصر انشطتها البحثية على جانب معين فهي تسعى الى ولوج مفاصل العلوم المختلفة لاسيما الفكرية التي يتم من خلالها تقديم طروحات مميزة وغنية والاهم من ذلك انها تكون قابلة للتطبيق على ارض الواقع. ان هذا المؤتمر انما هو ترجمة واضحة لدور المؤسسة الدينية لاسيما العتبة العباسية المقدسة التي تقيم هذا المؤتمر بالتعاون مع مؤسسة بحر العلوم الخيرية وهما تحاولان اثراء مكتباتنا الفكرية بمجموعة من البحوث الرصينة التي تتناول جوانب مهمة من تاريخنا الحافل.
الدكتور رحيم جبر: التفاتة موفقة من قبل الامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة وايضا مؤسسة بحر العلوم الخيرية وهما يعقدان هذا المؤتمر الذي يتناول قضية مفصلية ومهمة الا وهي اللغة العربية التي تعد الهوية الحقيقية للدين الاسلامي وانها لغة الاعجاز القرآني، بحوث وطروحات موفقة وان شاء الله ستكون ذات اثر واضح في المستقبل.