المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تدعو الى حصانةٍ مجتمعيّة تمنعُ الانزلاق وتقف حائلاً أمام السلوكيّات المنحرفة وتؤكّد أنّها مسؤوليّةُ الجميع...
30-03-2019
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تدعو الى حصانةٍ مجتمعيّة تمنعُ الانزلاق وتقف حائلاً أمام السلوكيّات المنحرفة وتؤكّد أنّها مسؤوليّةُ الجميع...
دعت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا الى حصانةٍ مجتمعيّة تمنعُ الانزلاق وتقف حائلاً أمام السلوكيّات المنحرفة، محذّرةً أنّه إذا فقد المجتمع حصانته وقعنا في محذورٍ لا نخرج منه إلا أن يشاء الله تعالى، وهذه الحصانة مسؤوليّةُ الجميع. جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (18جمادى الأولى 1440هـ) الموافق لـ(25كانون الثاني 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
إخوتي أخواتي.. لابُدّ من الحفاظ على كيان الأسرة؛ لما له من دخلٍ كبير وانعكاسات إيجابيّة على عموم المجتمع، وأيضاً لابُدّ من إلفات النظر الى أنّ الزاد المعنويّ لا يقلّ أهميّةً -إن لم يكن أكثر- من الزاد المادّي، لذلك كانت مسألة التربية الصحيحة من المسائل التي ندب اليها الشارع من جهة، وأيضاً حثّ عليها المصلحون، على أن لابُدّ أن تتماسك الأسر وفق قواعد سلوكيّة محدّدة من جهةٍ أخرى.
إنّ أهمّ المؤثرات عمليّاً في مجتمعنا القائم ثلاث حالات، تتفرّع الى حالات أخرى وهي:
الحالة الأولى: هي حالة الأسرة بنفسها، يعني مؤثّراتها على التربية.
الحالة الثانية: هي حالة المدرسة.
الحالة الثالثة: هي حالة الجوّ العام.
أمّا بالنسبة للأسرة فالمسؤوليّة ملقاة على ربّ الأسرة، فهنالك وظيفة ومسؤوليّة تقع عليه، وهذه المسؤوليّة تحتّم عليه أن يُنتج أسرةً سليمة.
أمّا بالنسبة للمدرسة، ذكرنا أهمّية المعلّم في تنشئة الجيل، وهي عمليّةٌ مشتركة ما بين المعلّم بعنوانه العامّ، وعندما نقول معلّم لا نقصد التعبير الدارج المعلّم في الابتدائيّة يُسمّى معلّماً وفي المتوسّطة والثانويّة يُسمّى مدرّساً، لا وإنّما العمليّة التعليميّة التي تبدأ من رياض الأطفال الى الجامعات.
أمّا الوضع أو المؤثّر الثالث وهو الجوّ العام الذي يكون خارج إطار الأسرة والمدرسة، لاشكّ أنّ الولد أو البنت عندهم أوقات يقضيانها خارج هاتين المؤسّستين، فما يمرّ به مجتمعنا في الجوّ العام هو موضوعٌ خطير جدّاً، وأنا سبق أن تكلّمتُ مع حضراتكم أنّ الإنسان عندما يرى مجتمعه ويرى أهله ويرى أولاده، عليه أن يسعى بمقدار ما يستطيع أن يبيّن المشاكل ويبيّن الحلول لها، وهذا أعتقد كلٌّ في مسؤوليّته، الإنسان في بعض الحالات وظيفتُه الكلام أو الخطاب، وهناك مَنْ تكون وظيفتُه القرار، وهناك وظيفةٌ عامّة هي وظيفةٌ مجتمعيّة، يعني الناس فيما بينهم يتبانون ويتّفقون على سلوكيّات محدّدة لا تسمح باختراق هذه السلوكيّات، وهذه مسؤوليّةٌ مجتمعيّة عامّة لا يُعفى منها أيّ أحد.
المقصود من الجوّ العامّ هي حالةُ الفوضى التي نعيشها، هناك فارقٌ بين أمرين قد التبس أحدُهُما بالآخر، الفارقُ بين الحريّة والفوضى، الحريّة حتّى تكون حريةً تحتاج الى أنظمة وقوانين، وهذه القوانين تُحافظ على الحريّة، لا تعني الحريةُ أنّ الإنسان يفعل كيفما يحلو له، لا يوجد هكذا منطق حتّى في شريعة الغاب، أنّ الإنسان يفعل كما يحلو له وأيّ شيء يأتي في مزاجه يفعله بدعوى الحريّة، هذه ليست حرية ولا يوجد مثل هذا الحال في جميع أنظمة العالم.
هناك بعض الدساتير والقوانين العامّة للدول لا يوجد فيها مثل هكذا نصّ، أنّ الإنسان يفعل كيف شاء وكما يحلو له..! وإنّما الحريّةُ أن توجد هناك ضوابط وهذه الضوابط تحدّد المسموح به وغير المسموح به، وتبقى هي في إطار الحرّية، ليس من حقّ أحدٍ الآن أن يوقف سيّارته مثلاً أمام باب داري، أو أن يوقفها وسط الشارع العامّ ليس من حقّه ذلك، الكلّ سيعترض عليه ولا يمكن أن يقول إنّي أفعل ذلك بمقتضى الحرية، الناس ستسخر منه وتقول له هذه ليست حريّة، هذا تعدٍّ على المصالح العامّة، فإذا صار تعدّياً على المصالح العامّة برزت عندنا حالة مقابلة للحرّية وهي حالة الفوضى، والفوضى هي عدم نظام وعدم قوانين وعدم رعاية أيّ شيء، نحن الآن ممّا يؤسف له نعيش حالة فوضى ونتخيّل أنّنا نعيش في حالة حريّة، والأمر بينهما بعيد وهناك بونٌ شاسع بين هذه وهذه.
المسؤوليّة لا يُعفى منها أحد فحافظوا على المجتمع وحافظوا على أصول المجتمع، حافظوا على قيم المجتمع ولا تتركوا الأمر كيفما اتّفق، لا تعوّدوا أولادكم على الفوضى بل عوّدوهم على الحرّية ضمن ضوابط لابُدّ أن تكون.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا وأيديكم لما فيه خير الدنيا والآخرة، وأن يحفظ بلدنا وشعبنا من كلّ سوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.