محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) ج11 لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)

24-04-2019
علي الخباز
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- الحذر والإحسان كيف يتسايران في جهة واحدة؟
الكتاب:ـ الحذر مع من يكيد بالمسلمين في داخل المجتمع الإسلامي، والإحسان الى الآخرين ممن لا يعادي المسلمين، ولا يسعى الى الإيقاع بهم، والنهي عن الاسترسال في المودة والركون الى الكفار الذي يكيدون بالمسلمين من أجل إيمانهم، ولو تمكنوا منهم تعاملوا معهم معاملة الأعداء، وتعدوا عليهم وأساءوا اليهم، وسعوا الى إعادتهم الى الكفر، فمن الضروري في هذه الظروف عدم الاسترسال في المودة والوثوق بهم والركون اليهم.
ويشير الله تعالى الى مظاهر الكيد من أهل الكتاب، فيوصي المسلمين بالعفو والصفح، كما يشير أيضاً الى فئة من غير المسلمين، يكيدون بالمساجد، ويمنعون ذكر الله فيها، ويتكرر ذكر اقوام يؤمنون بالله سبحانه تعالى ثم يكفرون، كما يذكر أيضاً سعي جماعة في ارجاع المؤمنين عن الدين بإظهار الايمان ثم الرجوع الى الكفر.
كما يحذر المؤمنين من الثقة بغيرهم فيما يتعلق بالدين، ويصف جماعة من المنافقين والكفار يتسللون بين المؤمنين ليكيدوا بهم، وذكر سبحانه تعالى عن مخادعة المنافقين بالنهي عن تولي الكفار على حياض المؤمنين، وكانت هذه الهواجس بطبيعة الحال هواجس وجودية للمجتمع المسلم، فكان هذا المجتمع الصغير قد نشأ حديثاً في بيئة معادية لها ساعية الى محوها، وهي تكافح وتجاهد من أجل البقاء والاستمرار والثبات وتجاوز التحديات المختلفة، ومع ذلك فإن التعامل مع غير أهل الدين والذين كانوا يعيشون في المجتمع، لم يتجاوز الحد المسموح بعد الالتفات الى الأخطار والمحاذير الحافة بها، بحسب ظروفها بل كان في كثير من أبعاده تعاملاً كريماً أدى الى دخول بعضهم تدريجيا في الإسلام، ربما رد المسلمون الذي كانوا يحتقرونهم ويكيدون بهم بالمثل بعض الشيء رعاية لحكم اجتماعية، من قبيل عدم الشعور لعامة المسلمين بالوهن في داخلهم، فيؤدي الى وهن اعتقادهم في الإسلام.
وبذلك يظهر أن التأصيل الإسلامي في التعامل الاجتماعي مع الآخرين هو الاحسان اليهم والعيش معهم، لا معاداتهم مع التوصية بأخذ الحذر ممن يكيدون بأهل الدين، ويسعى الى أن يضارهم ويصرفهم عن دينهم.
اذن، التحذير من الاسترسال في المودة مع غير المسلمين الذين هم على هذه الصفة، ولما كان ذلك موهماً للتعميم اتجاه كل غير المسلمين، استدرك سبحانه بتخصيص ذلك بالذين يكيدون بالمسلمين دون غيرهم، وهكذا نلاحظ أن التعاليم الدينية في الإسلام، التي تضمنها القرآن الكريم تجاه غير المسلمين تعاليم واضحة وصريحة، فقد أبانت ثنائية العدل والاتفاق الثنائي، ولم تخف لزوم الحذر مع من يعادي المسلمين منهم ويكيد بهم، ويسعى ان يفتنهم في دينهم من غير أن تستبيح هدر حرماتهم، ما لم يهدروا هم حرمات المسلمين، ويلغوا الاتفاق المبرم بين الطرفين.
وأما من لا يصيب المسلمين بأذى، فقد حبذ التواد معهم بالإحسان والبر اليهم، وفي إيضاح الإسلام بهذه المبادئ كلها صدق بالغ، ابتعاد عن المراء والنفاق والازدواجية وما فيها من شوائب الغدر والخيانة والاغراء من اعمال يبغضها الإسلام للغاية، ولا يستبيح التعامل بها حتى مع الأعداء المحاربين معه صريحاً.

- كيفية تأمين الدولة المسلمة اتجاه الخطر الخارجي، وتعاملها مع القوى المهددة لها؟
الكتاب: بالنسبة الى تعامل المسلمين مع الدول والجماعات المتجاورة مع الدولة المسلمة فهو على العموم محكوم بقواعد السلم والحرب، وتختلف هذه القواعد باختلاف الأزمنة والأعراف العامة الحاكمة فيها بحسب اقتضاء التحديات، وان ممن الحقوق الفطرية لكل دولة مشروع توفير الأمن لنفسها، ومن يعيش فيها في مقابل التحديات والأخطار الحافة بها، وليس من المعقول مطالبتها بالتساهل في ذلك على اساس رعاية استحقاقات الكيانات الأخرى التي تهدد وجودها، وعليه يكون من المعقول أن تعمل الدولة المسلمة على وجه ضمن أمنها في مقابل الأخطار والتحديات المتوقعة وعلى هذا الأساس، ليس من المنطقي بأي مقياس أن يطالب المسلمون في التفريط في حفظ كيانهم وانفسهم في مقابل القوى المجاورة لهم..!
ان من حقوق الدولة هو حقها في مطالبة الدول والجماعات المجاورة، لاتفاق مشترك على عدم الاعتداء وهذا ما قدم عليه النبي J، وفق وثيقة المدينة المعروفة، كما لها حق الدفاع عن النفس في مقابل الهجمات الوافدة عليها من القوى المجاورة ومن والاها، كما لها حق الرجوع الى البلاد الأصلية لمن هجر عنها على وجه الاضطهاد، ومن ثم كان يحق للنبي J والمسلمين المهاجرين من مكة العودة اليها.
قد تؤدي هذه الحقوق الى تجويز سعي هذا الكيان الى إزالة كيان الدولة المعتدية أو العقيدة التي هي منطلق الاعتداء، من غير منافاة مع قواعد العدالة ولا سبيل الى الثقة بها والأمان معها والمعيشة بجوارها بملاحظة تصرفاتها وسلوكيتها واعتداءاتها، فلا تؤمن الدول مع محدودية أدوات الاستطلاع والقتال آنذاك، إلا اذا بقيت متأهبة للحرب مع جيرانها دائماً، فلا محيص من السعي لإزالة الكيان المعتدي في هكذا حالة.
وكذلك أن تنقض القوى المجاورة المعاهدة نقضاً مباغتاً، فتدبر المكيدة للدولة المشروعة وتتفق مع اعدائها، أن تمتنع بعض القوى من التزام السلم مع الدولة المشروعة ويصر على إزالة هذا الكيان الاعتقاد الذي يبنى عليه، أن يضهد ذلك الكيان فئة كبيرة من اهل البلد على أساس العقيدة –مثلاً- ويضطرهم الى الخروج منه، كما فعلت قريش ومن والها في مكة مع النبي J ومن آمن به، حيث خلعتهم من عشائرهم واضطهدتهم حتى اضطروا للخروج الى المدينة؛ لأنهم آمنوا بالتوحيد وخرجوا عن الشرك الذي كان سائدا آنذاك، لذلك كان لهؤلاء المسلمين الحق أن يرجعوا الى مكة مسقط رأسهم، ويمارسوا الحرية في عقائدهم، وقد علم ان البيئة التي ظهر بها الإسلام كانت لا تستسيغ هذا الكيان الجديد؛ لكونه مبنياً على عقيدة جديدة، تسفه الاعتقاد الغالب وهو عقيدة الشرك، على القاطنين في الجزيرة، وكانت قريش خاصة ترى في نفسها أنها هي المعنية بإزالة هذا الكيان بتهذيبه لمصالحها.

- ما هي الأدوات المشروعة لإزالة الكيان الذي لا يمكن التعايش معه؟
الكتاب: لقد وجدت في الأزمنة السابقة اداوت سائدة، مثلت قواعد الحرب والسلم آنذاك، بما يشبه قواعد السلوك الدولي حالياً، فكان من الطبيعي ان يجري عليها كل من الطرفين كضوابط في الحرب والسلم والاشتباك، يشترك الطرفان في الإذعان بها، والعمل على وفقها، من هذه الأدوات إنهاء الجهة الحاكمة، ويكون المجتمع المحكوم لها تحت سلطة الجهة والمعتدى على كيانها، فلا يصحح هذا المقدار على هدم كيان المجتمع المفروض، وهذه الأداة كانت تستخدم فيما إذا كانت عمدة المشكلة كامنة في الجهة الحاكمة ذاتها وليس في المجتمع المحكوم لها، وعلى هذا الأساس جرى المسلمون في التعامل مع أهل الكتاب، حيث اكتفوا بالسيطرة على بيئتهم، ولم يبطلوا مشروعية اعتقادهم، ولا سعوا في انهاء كيان المجتمع نفسه بالقتل والأسر والتهجير، فقد يخرج على ذلك تعامل النبي J مع المشركين بمكة بعد فتحها وانتهاء معاهدة الصلح معهم، فقد كان المشركون على اضطهاد المسلمين في وطنهم وفتنوهم عن دينهم بالقتل والتهديد الدائم ليلزموهم بالشرك، الذي كان هو العقيدة الحاكمة على الجزيرة العربية آنذاك، فاضطر المسلمون الى الهجرة عن ديارهم الى المدينة المنورة، ولكن مع ذلك لم يتركهم المشركون آمنين فيها، بل كانوا يغزونهم ويكيدون لهم ليطفئوا شعلة هذه العقيدة الجديدة، وبناء على ذلك مع اعتبارات اخرى كموضوع وبطلان هذه العقيدة، وعدم وجود حجة موجبة للشبهة فيها، ألغى النبي (صل الله عليه وآله وسلم) بشكل رسمي حق الاعتقاد بالشرك في مكة أو الجزيرة العربية عامة، وأناط العفو عن المشركين فيما اقترفوه في المدة السابقة في حق المسلمين، بإظهار الإسلام رفقا بهم، فاستجاب المشركون لذلك حفاظاً على وجودهم، وكانوا يعدون هذا التعامل من النبي J تعاملاً كريماً.