المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تحدّدُ الأساسيّات التي تتشكّلُ فيها المنظومةُ المعرفيّة للإنسان

08-05-2019
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا
تحدّدُ الأساسيّات التي تتشكّلُ فيها المنظومةُ المعرفيّة للإنسان
حدّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا الأساسيّات التي تتشكّل فيها المنظومةُ المعرفيّة للإنسان، جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة هذا اليوم (27 شعبان 1440هـ) الموافق لـ(3 آيار 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر، وكانت بإمامة سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:إخوتي أخواتي، أعرض بخدمتكم السؤال التالي، وسنحاول أن نجيب عنه بشكلٍ موجز، ألا وهو: كيف تتشكّل المنظومة المعرفيّة عند الإنسان؟
الإنسان عندما يولد ويأتي الى هذه الدنيا قطعاً سيتعلّم ويكون حاله ليس كحال بدايات حياته وولادته، السؤال هو: كيف تتشكّل هذه المنظومة المعرفيّة عنده؟ طبعاً أنا لا أتحدّث عن المدارس الفكريّة والثقافيّة، يعني كما تعلمون أنّ المدارس الفكريّة تختلف في مضامينها وتختلف في الأُسُس الفلسفيّة التي تشيّد نفسها بها، الكلام ليس في ذلك وهذا ليس محلّه، وإنّما حتّى يكون حديثنا حديثاً اجتماعيّاً عامّاً، فلابُدّ أن يكون حول الآليّات التي تتشكّل فيها المنظومة المعرفيّة عند كلٍّ منّا.
لعلّ أوّل آليّةٍ هي الكتاب، أنّ الإنسان يقرأ في كتابٍ ما ويستفيد ممّا هو موجودٌ فيه، ولذا ترى الناس يتسابقون على اقتناء الكتب وقراءتها وربّما مناقشة ما في الكتاب، وكان البعض وما زال يعقد مجالس عامّة لمناقشة هذا الكتاب الذي قرأه زيدٌ أو عمرو، فالكتاب كان ولا زال يمثّل ركيزةً مهمّة في تشكيل المنظومة المعرفيّة.
ثانياً: المعلّم، أنّ الإنسان يتعلّم من معلّمه، كيف يختار المعلم هذا ليس من شأننا، لكن أداة زيادة المنظومة المعرفيّة تكون من قِبل المعلّم، ويبقى يستفيد من هذا المعلّم بالمقدار الذي يوفره له الوضع العامّ، وهذا التعليم أيضاً تختلف درجاته.
ومن جملة ما عندنا من آليّات هي التربية التي يتربّى عليها هذا الشخص، سواءً كان في بيئته أو أسرته، والأسرة لها الأولويّة في صقل شخصيّته المعرفيّة.
اليوم بالإضافة الى هذه الأشياء، بدأت ثقافتُنا المعرفيّة تدخل على آليّاتها وأدواتها أشياءُ أخر لم تكن سابقاً موجودة، وأقصد من هذه الأدوات هي الثورة المعلوماتيّة الحديثة المتمثّلة سواءً بالانترنت أو عموم صفحات التواصل الاجتماعيّ، التي فيها النافع وفيها الضارّ كالكتاب، الإنسان يُمكن أن يقرأ كتاباً نافعاً أو يُمكن أن يقرأ كتاباً ضارّاً.
أقول هذه المنظومات الثقافيّة قسمٌ منها غير معروف، يعني هويّة هذه الثقافة غير معروفة، ونحن قد نمرّ بحالةٍ من التشوّش الفكريّ المعرفيّ بل التناقض في بعض الحالات، لعدم قدرتنا على فرز ما فيها، ولذلك سيكون تأثيرها السلبيّ كثيراً خصوصاً على الشباب.
المشكلة أنّ هذه الثقافة باتت أسهل تناولاً لكنّها أخطر تأثيراً، ولذلك لاحظوا الآن عندما نقرأ بعض ما في هذه بغضّ النظر عن المسمّيات، سنجد أنّ هناك ثقافةً في هذه المقاطع هي أقرب ما تكون الى الجهل منها الى الثقافة.
ثانياً" إنّ هذه الأدوات فيها تجاوزات على حرمات الناس بطريقةٍ أصبح يسهل علينا رمي الناس بكلّ التهم الموبقة -والعياذ بالله- بلا أن نفكّر أو نراجع أنفسنا أو نعي خطورة ذلك علينا، وأصبحت هذه المسائل هي التي تزكّي وهي التي تمدح وتقدح وهي التي تذمّ وتجرح بطريقةٍ في منتهى العشوائيّة، خطورة هذه الثقافة هي عبارة عن ثقافة لا أصل لها، إنّما هجينة ومركّبة من خليطٍ يجعل الإنسان غير سويّ، يجعل ثقافته ثقافة مهزوزة وثقافة غير واقعيّة، ويجرّئ الناس على أن يتكلّم بعضهم على بعض بألفاظٍ نابية وألفاظ لا يستحسنها الذوق العامّ.
كما تجدها ثقافة تفتقر لأبسط مقوّمات اللغة والفهم والكلام الذي يُسبك بشكلٍ صحيح، خرجت هذه المسألة نهائيّاً، وطبعاً كما تعلمون أنّ وجود المعلّم يقوّم الخلل الذي يُمكن أن يكون عند التلميذ، سواءً خلل اللّسان أو خلل الكتابة أو خلل الفكرة، هذه الأشياء أصبحت غير مقوّمة وإنّما تشجّع على الابتعاد عن اللّغة الأصيلة، بوجود أخطاء لغويّة، بدأت ثقافتنا الحقيقيّة تنسلخ شيئاً فشيئاً، احترام بعضنا للبعض أصبح أيضاً ينسلخ شيئاً فشيئاً؛ لأنّ هذا قد يستحي أن يتكلّم أمام الناس بكلامٍ نابٍ، لكن عندما يأتي الى هذا الجهاز يتكلّم كلاماً نابياً؛ لأنّه في بعض الحالات غير معروف، فهو أمام نفسه سلخ الحياء عن نفسه، والإنسان إذا سلخ الحياء عن نفسه كما يعبّرون: (إذا كنت لا تستحي فافعلْ ما شئت).
نسأل الله سبحان وتعالى أن يوفّقنا وإيّاكم لخدمة أبنائنا وإخوتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.