(حوار معهم)
07-06-2019
لجنة المناسبات
(حوار معهم)
أرحب بمن؟
قلت: لأجري الحوار مباشرة:
- ماهي الدوافع التي دعتك لتولية العهد لسيدي الرضا ع؟
المأمون:ـ في سنة 200 هـ أي بعد عامين من سيطرتي على زمام السلطة، كتبت إلى الإمام الرضا ع أدعوه للقدوم إلى خراسان، فاعتلَّ الإمام ع بعللٍ كثيرة، وقررت ان استمرَّ بمكاتبته ومراسلته، حتى علم ع أنَّي لا أكفُّ عنه، فاستجاب لي، وأمرت الشخصَ الموكَّل بالإمام الرضا ع أن لا يسيرَ به عن طريق الكوفة وقم، وعند وصوله إلى (مرو) عرضت عليه أن يتقلَّد الخلافة، فأبى ع هذا العرض، وجرت بيننا مخاطبات كثيرة دامت نحوًا من شهرين، والإمام ع يأبى الموافقة، وحينما يئسَت عرضت عليه ولاية العهد، فأجابني الإمام ع بعد الإلحاح الشديد والتلويح بالقتل، وشرط علي شروطًا، منها: إنِّي أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أقضي، ولا أغيِّر شيئًا ممّا هو قائم، وتعفيني من ذلك كلِّه.
- ما هي الدوافع؟
المأمون:ـ سأقول كل ما نفسي مادامت السنوات خلفت سنوات، وقرون جاءت واخرى ولت، وعلينا أن نقر بالحقيقة ان استطعنا، ويمكن تحديد الدوافع في النقاط التالية:
1- تهدئة الأوضاع المضطربة:
اضطربت أوضاع الحكم بسببِ القتال الدَّامي بيني وبين اخي الامين والذي انتهى بقتله إضافةً إلى قيام الثَّورات والحركات المسلَّحة، وازدياد عدد المعارضين لحُكمِي.
فأردت من تقريبِ الإمام A استقطابَ أعوانه وأنصاره، وإيقافَ حركاتهم المسلَّحة، لأتفرَّغ إلى بقيَّة الثائرين والمتمرِّدين، الذين لا يعتدُّ بهم قياسًا للثوَّار العلويِّين.
2- إضفاء الشرعية على الحكم القائم:
إنَّ ما قمت به من تولية الإمام ع يمكن أن أحقِّقَ ما أصبو إليه من إضفاء الشَّرعية على حكمي، مستفيداً من الولاء الفكري والعاطفي للإمام ع في نفوس المسلمين، ورضاه الظاهري، يعني رضاه عن الحكم الواقع ولِعدم معارضته له، وهذا ما تستنتجه الأمّة، حسب مشاهدتها للظواهر.
3- إبعاد الإمام عن قواعده:
إنَّ وجودَ الإمام ع في العاصمة يعني انفصالَه عن قواعدِه الشعبية، وتحجيم الفرَص المتاحة للإجتماع بوكلائه ونوَّابه المنتشرين في شرقِ الأرض وغربها، وكثَّفت من مراقبة الإمام ع.
4- إيقاف خطر الإمام ع على الحكم القائم:
إنَّ توسُّع القاعدة الشعبية للإمام ع، كان يشكِّل خطرًا حقيقيًّا على حكومتي بعد التصدُّع الذي حدث في البيت العباسي، ولكن بعد قيام الثورات المسلَّحة، لو تُرك الإمام في المدينة لأدَّى ذلك إلى ضعف الحكومة القائمة، وبهذا الصدد خشينا إنْ تركناه على ترك الحالة أن ينفتقَ علينا منه ما لا نسدُّه، ويأتي علينا ما لا نطيقه.
5- تشويه سمعة الإمام ع:
أجابني الإمام ع موضحًا دوافعي بقوله: تريد بذلك أن يقول الناس: إنَّ علي بن موسى الرِّضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعًا بالخلافة؟!
ولكنَّنا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً، حتَّى نصوِّره عند الرَّعايا بصورة من لا يستحقُّ هذا الأمر.
- ما هي أسباب قبول الإمام ع بولاية العهد برأيك انت؟
المأمون: قلت للإمام ع: يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك، وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منِّي.
فقال الإمام ع: بالعبودية لله عزَّ وجلَّ أفتخر، وبالزُّهد في الدُّنيا أرجو النَّجاة من شرِّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوزَ بالغنائم، وبالتَّواضع في الدنيا أرجو الرِّفعة عند الله تعالى.
قلت: إنِّي قد رأيتُ أن أعزلَ نفسي عن الخلافة وأجعلَها لك وأبايعَك!.
قال الإمام ع: إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكَه الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.
قلت:ـ يا ابنَ رسول الله لابدَّ من قبولِ هذا الأمر، قال الإمام ع: لستُ أفعل ذلك طايعاً أبداً.
فما زالت أجهد به أيَّامًا فلمَّا يئست من قبوله عرضت عليه ولاية العهد، ثمَّ جرى بينهما كلام أوضح فيه الإمام ع دوافعي من ذلك، فغضبت ثمَّ قلت: إنَّك تتلقاني أبدا بما أكرهه، وقد أمنتَ سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلتَ ولاية العهد وإلاَّ أجبرتُك على ذلك، فإن فعلتَ وإلاّ ضربتُ عنقَك.
فقال الإمام ع: قد نهاني الله (عزَّ وجلَّ) أن ألقيَ بيدي إلى التَّهلكة، فإنْ كان الأمرُ على هذا، فافعل ما بَدا لك، وأنا أقبلُ ذلك على أن لا أولِّي أحداً ولا أعزلُ أحداً ولا أنقضنَّ رسماً ولا سنَّة، وأكون في الأمر بعيداً مشيراً، فرضِيت منه بذلك، وجعلته وليَّ عهدي واعرف ان الإمام ع كارهٌ لذلك.
وقيل له: يا ابن رسول الله، ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟، فقال ع: ما حمل جدّي أميرُ المؤمنين على الدخول في الشورى.
- أتريد ان تقول ان الامام ع كان خائفا على حياته منك؟
المأمون:ـ انا لا افكر بمثل هذه الطريقة الغبية، فمن يتعامل مع مثل هذه الشخصيات يدرك انهم قوم لا يخافون أبداً، والإمامُ ع لم يستسلم للقبول خائفًا من قتله، وإنَّما سيكون قتله سببًا في خسارة الحركة الرساليَّة، لحاجتها إلى قيادته في هذه المرحلة، وسيكون قتله مقدمةً لقتل أهلِ بيته، أو يؤدِّي إلى ردود أفعال مسلَّحة غير مدروسة بدافع الانتقام، وبالتَّالي تنهار القوَّة العسكريَّة دون أن تغيِّرَ من الأحداث شيئًا.
وثانياً هو ع يريد استثمار الظروف لإقامة الدين وإحياء السُّنـَّة:
إنَّ الحريَّة النسبيَّة الممنوحة للإمام ع، ولأهل بيته وأنصاره، هي فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين، وإحياء السنّة النبوية، ونشر منهج أهل البيت ع في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، وخصوصًا في البلاط الحاكم، عن طريق الالتقاء بالوزراء والخواصّ والخدم والحرَّاس وغيرهم،
ووضّحَ الإمامُ ع المنهج السياسي للحاكم الإسلامي، ودوره في تطبيق أحكام الشريعة، والأسباب التي تؤدّي إلى شرعية الاستمرار في الحكم، جاء ذلك في وثيقة العهد التي كتبها ع بخطِّه: جعلت لله على نفسي عهدًا إن استرعاني أمر المسلمين، وقلّدني خلافة العمل فيهم... أن أعمل بطاعة الله تعالى، وطاعة رسوله ص ولا أسفك دماً حراماً، ولا أبيح فرجاً، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي... وإن أحدثت أو غيَّرت أو بدَّلت، كنت للعزل مستحِقًّا وللنكال متعرَّضا.