محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه) القسم 18

14-09-2019
علي الخباز
- كيف يحثّ الدين الانسان على الأمور المادية؟
الكتاب:ـ في الرؤية الدينية تجاه تحصيل الانسان على السعادة المادية، هناك ترغيب الناس الى الانتفاع بنعم الحياة والاستجابة الى الرغبات الفطرية التي سُنّ وجود الانسان عليها.
- ما المراد من الاسراف في هذا الباب؟
الكتاب:ـ هو ضرب من المبالغة والافراط الذي يؤدي الى تضييع النعمة، او التلهي بها عن الحقائق الكبرى في الحياة وعن رعاية المبادئ الحكيمة والفاضلة، وقد لوحظ ذلك في بعض المترفين من اولي النعمة، كما ان المراد بالتقتير: مبالغة الانسان في حرمان نفسه بما يترك مضاعفات سلبية، حث الدين على التمتع بالحياة، فإننا نجد ان الدين يوجه الانسان الى الايفاء برغباته الفطرية، ومنها: الطعام والشراب وتناول الطيبات والزواج والابوة والامومة والبقاء، وقد دعا الدين الى حفظ النفس، حتى منع اندفاع المقاتلين في الجبهات دون حذر.
كما دعا الدين الانسان الى التجمل، وقال الامام علي A: (ان الله جميل ويحب الجمال) وحث على النظافة والطهارة، روي أن الامام الباقر A كان يجهد نفسه في الزراعة فقيل: أصلحك الله، لو جاء أجلك وانت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال: (لو جاءني الموت وانا على هذه الحال جاءني وانا في طاعة الله عز وجل، أكف بها عن نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وانما كنت اخاف ان لو جاءني الموت وانا على معصية من معاصي الله).
الاسلام حث على العمل والتكسب ونهى عن الكسل، يقول الامام الصادق A: (من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لأمر اخرته، ومن كسل عما يصلح فيه امر معيشته، فليس فيه خير لأمر دنياه).
وقد أكد الاسلام بالحرص على العافية والصحة، فقد وردت التوصيات في الطب النبوي وطب أهل البيت D، كما ورد الحث على الراحة فهناك توصيات عديدة بعدم ارهاق النفس بالعبادة والرفق بها والنوم هو من اسباب الراحة، وفي الحديث عن الامام الصادق A: (النوم راحة للجسد، والنطق راحة للروح، والسكوت راحة للعقل).
ووردت التوصية بالنوم للصائم خاصة لتخفيف الصيام عليه، ففي الحديث عن النبي J: (نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح)، ورد في الاثر عن ابي عبد الله A: (ان الله عز وجل كشف للانسان عيوبه للناس واذلاله لنفسه فيهم بحركات وتصرفات مريبة وغير لائقة).
- نعود الى السؤال الاول نفسه: ما هي الاعتبارات الملحوظة للدين في الحث على تحصيل السعادة المادية؟
الكتاب:ـ من مقومات الرؤية الدينية، نبه الدين على انتفاع الانسان بالنعم المادية في هذه الحياة، هو مقتضى غاية خلقه وسط هذا المشهد المليء بالنعم والامكانات، فقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزقِ قُل هِي لِلذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا خَالِصَةً يَومَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) {الأعراف/32} ، فللإنسان الحق في الانتفاع بالنعم في هذه الحياة؛ لأنه خُلق محتاجا اليها راغبا فيها، فلا يصح في ميزان الحكمة والعدل حظر الانتفاع بها عليه حظرا مطلقا، اضطراب السلوك الانساني عند الممانعة غير الهادفة منها وخروجه عن حدود الحكمة والفضيلة في سائر مناحي الحياة، والله تعالى يتصف باتجاه المخلوقات باللطف والود والرحمة والرأفة والمحبة، وهو ارحم الراحمين.
ونهى الدين الاسلامي عن حرمان النفس من الرغبات المادية، روى الامام الصادق A:ـ (جاءت امرأة عثمان بن مظعون الى النبي J فقالت:ـ يا رسول الله ان عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله مغضبا يحمل نعليه حتى جاء الى عثمان فوجده يصلي، وبعدما انصرف عن صلاته قال له:ـ يا عثمان لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنفية السهلة السمحة، اصوم واصلي والمس اهلي، فمن أحبّ فطرتي فليتسنّ بسنتي ومن سنتي النكاح).
وجاء في نهج البلاغة: ان الامام عليا A دخل بالبصرة على العلاء بن زياد الحارثي وهو من اصحابه يعوده فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين اشكو اليك أخي عاصم بن زياد، قال A:ـ وما له؟ قال:ـ لبس العباءة وتخلى عن الدنيا..! قال: عليّ به، فلما جاء قال:ـ يا عديّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث، اما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره ان تأخذها؟ انت اهون على الله من ذلك.. فقال: يا امير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك..! قال A:ـ ويحك أني لست كأنت، ان الله تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس؛ كي لا يتبيغ بالفقيرة فقره).
وجاء في الحديث الشريف: (يا علي، ان هذا الدين متين، فأوغل به برفق، ولا تبغض الى نفسك عبادة ربك، فان النبت ـ يعني المفرط ـ لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع، فاعمل عملَ من يرجو ان يموت هرما، واحذر حذرَ من يتخوف ان يموت غدا).