في بريدنا كتاب.. قراءة انطباعية في مجموعة (قشعريرة) للكاتبة المبدعة (هدى الغراوي)

14-09-2019
لجنة البحوث والدراسات
أخذت الحداثة أشكالاً عديدة في صياغة الخطاب السردي عبر شعرية مكثفة تصور لنا الموقف الإنساني في جميع المواقف المعبرة عن وجوده (الواقعي – المتخيل)، وفي مجموعة (قشعريرة) ارتكزت الكاتبة المبدعة (هدى الغراوي) على غرائبية المتعلق، فالمعلوم أن لكل جملة متعلقات تتواءم مع بعضها لتؤدي المعنى القصدي المطلوب، عملت الكاتبة هدى الغراوي على تغريب هذه المتعلقات:
(ربطة العنق أمرها مضحك مثل (الزائدة الدودية) ص6
وغرائبية المتعلقات تخلق مساحة واسعة من الدهشة؛ لتكون مصدراً من مصادر التشويق وبعض تلك المختزلات تعتمد على توأمة المتعلق:
(لقد ماتت جميع الشوارع / حين مررت بي كعابر سبيل) ص7
(الشوارع + المرور + عابر سبيل)، اشتغال مهندم يوفق المتلقي للتأمل، فالشوارع هي التي تمر بعابر السبيل، في ومضات القاصة الشاعرة هدى الغراوي، أن مؤثثات الومضة واضحة من تكثيف واختزال وايجاز، ولم أجد مكاناً للعفوية، فقد رسمت الغراوي ومضاتها بقصدية فطنة عميقة لها غنى رمزي وايجابي وانسياب واعٍ، وأغلبها مؤثر؛ لكونها تلمح بمعان حسية وذهنية خاطفة مؤثرة:
(تلك الأرواح التي تحلق فوق المساجد / لم تكن إلا هفوات فقراء/
أرادوا رغيف الخبز) ص10
سعت الكاتبة الغراوي الى مخاطبة ذكاء المتلقي وبعث القدرة على فهم الدلالة والتأثير عليه، ففي قصيدة رؤيا لها دلالة مجازية:
(الذين يعانون من الارق اثنان: المجانين والموتى) ص13
مزجت الكاتبة هدى الغراوي سرديتها بين ومضة القصيدة القصيرة والقصة القصيرة جدا كونها اعتمدت على الكثافة ولغة الدهشة والايحاءات الجمالية والتأويلية المنفتحة:
(المجانين / أرواح ارادت ان تعرج الى السماء / فتأخرت عن الموعد) ص16
ويعني انها تكتب النثر بنكهة الشعر حيث تنتهي ومضاتها بالـ(لا متوقع):
( قطع الحديد الصدئة بقايا من طعامي / الفقير قال هذا) ص18
وتبني بعض ومضاتها على وقع الفكرة بآلية ربط عالمين منفصلين (هذا الكون لا يستحق غير علامة استفهام كبيرة) ص18
ثمة ومضات تجاوزت بها المشهد الدرامي الى رؤية وهذه الرؤية ترتكز على حراك الرمز وبناء القرصة الشعورية:
(تقول المقبرة: ابتسموا.. أنتم في صورة جماعية لم تلتقط بعد) ص24
توزعت عوالم الومضة عند هدى الغراوي الى آفاق متنوعة تحاصر المتلقي في كل شؤونه وهمومه، ومنها المؤثرة بفكره وانتماءاته فهي تنثر العناوين في كل مجال لتشكل منها (الومضة المباغتة / القرصة الشعورية) وآثرت استخدام الرموز المقدسة بقضايا وجدانية مثلاً:
(العراق.. اسم من أسماء الحسين) ص23
(حين يصبح الدين رجلاً.. لاريب انه سيكون علياً) ص27
(الفقر رجل.. ما زال يبحث عن علي) ص51
لم تتبع الشاعرة الغراوي معنى محصوراً، وانما يبحث عن مضامين تبرقها والتي تومضها بأساليب متعددة منها التصريح:
(الطبيب مجرم بطريقة قانونية) ص35
وتعتمد ايضاً على المفارقة لتضفي اشعاعاً على فضاء النص النابض بالهم العام وبالأزمات:
(يقول الجندي: عندما كنت في الحرب، لم اجد غير أصدقائي الذين ماتوا قبلي) ص36 الأمثلة كثيرة ومتشعبات الومضات كثيرة أيضاً، ولا يمكن اتساعها لضخامة المنجز، مجموعة القشعريرة جعلت القشعريرة تدب فينا؛ كونها ارتبطت بآفاق الفن التدويني الفكري والشعوري بقوة من المؤكد سنجدها في محاور إبداعية كثيرة ولنا معها وقفات اكثر تمعنا في التأمل والقراءة.