رمال ومواراة...

15-10-2019
نرجس مهدي
بين آهاتي ودمعاتي، فتحت أوراقي لأحكي ما جرى يوم المواراة.. عن أي جرح أبدأ وأي هول احدث..؟ فغص قلمي بدمع الألم واختنق بعبرتي، ليحكي ما جرى في عرصة تحولت من أرض قاحلة الى جنة عامرة.
ها هي الرمال الحارقة، لم تعد حارقة بعد الآن، بل تلمسها تراها ندية بالرغم من حرارة الشمس، إنها دموع الرمال قد تفجرت عيونها حزنا لما جرى يوم الطفوف، وتمتزج دموعها بعطر ملكوتي تنتشي منها الأرواح، يرتفع ليعانق نور السماء فتحن ملائكة الرحمن لذلك العطر الملكوتي، فتستأذن وتنزل لتتعطر، وتتعفر بتلك الرمال.
سألتكِ يا رمال: أي نور تعكسين للسماء السابعة..؟! فتنوح لرؤيته سكان السماوات قبل الأرضين..؟! وترتشف منك ملائكة الجنان عبيرا ينعش الضمير.. أيتها الرمال حدثيني أي سر تحملين..؟ وأي كنز تحتوين..؟ وأي جسد تضمين..؟ وكل يوم لأجلهم تنوحين..؟ ويؤلمك نياح الباكين والمحبين..؟!
عن ذلك اليوم الحزين حدثيني، وجراح قلبي التي لا تبرأ فداويني.. تحدثت رمال كربلاء بحديث شجي فبكت عيون الرمال دماً عبيطاً: ماذا أقول فبعد أن غادر الجميع وتركوا الجثث الطواهر مثخنة بالجراح ودماؤهم تنساب خلالي، فاحترقت حزنا وأنيني أيقظ وحوش الفلوات، فناحت نياح الثاكلات، فارتج المكان ومطرت السماء دماً قانياً حزنا لسيد الشهداء وتفجرت عيون رمالي بالدماء، فسالت الدماء انهارا لتسقي ارضا مشى عليها اشباه الرجال، شحوا بدمائهم لنصرة الحق، ورضوا ان يكونوا مع الباطل متآزرين. وفي تلك الأثناء، نزل هودج النور من السماء مكللاً بتاج الكرامة تحفه ملائكة الرحمن، له عمود نور يشق الظلام، نزلت من الهودج جوهرة مكللة بالسواد محنية الظهر ناحلة الجسد، إنها أم الحسنين سيدة النساء، جلست بالقرب من جسد سجدت عليه سيوف ورماح وطعنات، تمسح حبات رملي التي تعلقت بجسده الطاهر، والتي تمنت ان تنال شفاعة سيد الشهداء.
نعم.. ثلاث ليال نياح وبكاء وعويل، وجفت دموع الرمال، ولم تستطع ان ترى بعيونها شيئا، إلا انها لمحت قادما من بعيد حسبته سرابا ملثما قد أحنت الأحزان ظهره، وتكسرت الآهات في صدره، وحديد الجامعة أثره في عنقه، وأنهار الدموع محفورة في خده، لم نعرفه في البدء، ولكن انفاسه الحارقة، وعيونه الغارقة، ولوعة أنينه، عرفنا أنه إمام الخلائق عليل كربلاء، إمامنا السجاد.
وتجمعت حشود بني أسد حوله ليعينوه في أمره، فقد سمح لهم في كل المواقف إلا واحد فعندما توجه الى جسد الشهيد كادت روحه تصل التراقي من شدة احزانه، فطلب حصيرا ليجمع الاوصال الطاهرة وكان هناك من يعينه نزلت ملائكة السماء صفوفا تعزيه وتعينه وتلثم حبات الرمال وتحمل معها في قوارير النور تربة الشهيد، وسماء الدنيا بين عروج وهبوط، واكمل الإمام المواراة وجميعنا حول قبره الشريف نلطم وننوح وتعزي احدانا الأخرى.. رحل الامام السجاد تاركا دموعه التي لم تجف يوماً على حبات الرمال، ولازالت تحكي يوم المواراة للأجيال، ويتجدد العزاء في كل حين، حتى ظهور الموعود فيأخذ بثأر جده، والبسمة لشفاه شيعته ستعود.