المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا مخاطبةً العراقيّين: أمامكم اليوم معركةٌ مصيريّة هي (معركة الإصلاح) والعمل على إنهاء حقبةٍ طويلةٍ من الفساد والفشل في إدارة البلد...
05-01-2020
شبكة الكفيل العالمية
خاطبت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا العراقيّين بأنّهم اليوم أمام معركةٍ لا تقلّ ضراوةً عن معركة الإرهاب إن لم تكنْ أشدّ وأقسى، وهي معركة (معركة الإصلاح) والعمل على إنهاء حقبةٍ طويلةٍ من الفساد والفشل في إدارة البلد، مؤكّدةً أنّ العراقيّين الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون - بعون الله تعالى - على خوض غمار هذه المعركة والانتصار فيها أيضاً إنْ أحسنوا إدارتها، وأنّ اتّباع الأساليب السلميّة هو الشرطُ الأساس للانتصار فيها.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة هذا اليوم (16ربيع الآخر 1441هـ) الموافق لـ(13 كانون الأوّل 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر، وكانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصّها:
أيّها الإخوة والأخوات.. نقرأ عليكم نصّ ما ورد إلينا من مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد السيستانيّ (دام ظلّه) في النجف الأشرف:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مرّت قبل أيّام الذكرى السنويّةُ الثانية لإعلان النصر على داعش، في المنازلة التاريخيّة الكبرى التي خاضها العراقيّون وأبلوا فيها بلاءً حسناً، لتحرير أجزاء غالية من وطنهم سبق أن استولى عليها التنظيمُ الإرهابيّ، وقد قدّموا في هذا الطريق طوال ما يزيد على ثلاثة أعوام عشرات الآلاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمصابين، وسطّروا صفحاتٍ مشرقة من تاريخ العراق بأحرفٍ من عزٍّ وإباء، ورسموا خلالها أجمل صور البطولة والفداء، دفاعاً عن الأرض والعِرْض والمقدّسات.
وفي هذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيّين جميعاً نستذكر بإجلالٍ وإكبارٍ الشهداء الأبرار الذين سقوا تراب الوطن بدمائهم الزكيّة، فارتقوا الى أعلى درجات المجد والكرامة، ونتوجّه بأسمى آيات الاحترام والتقدير الى الأحبّة من أُسرهم وعوائلهم، والى الأعزّة الجرحى والمعاقين، والى المقاتلين الأبطال الذين لا يزال الكثيرُ منهم يواصلون الذود عن الحِمى ويواجهون بقايا الإرهابيّين بكلّ بسالة، ويتعقّبون خلاياهم المستترة في مختلف المناطق من غير كللٍ أو ملل، فلهم جميعاً بالغُ الشكر وخالصُ الدعاء. ولا بُدّ من أن نُعيد اليوم التأكيد على ما سبق ذكرُه من ضرورة أن يكون بناءُ الجيش وسائرُ القوّات المسلّحة العراقيّة وفق أُسُسٍ مهنيّة رصينة، بحيث يكون ولاؤها للوطن وتنهض بالدفاع عنه ضدّ أيّ عدوانٍ خارجيّ، وتحمي نظامه السياسيّ المنبعث عن إرادة الشعب وفق الأطر الدستوريّة والقانونيّة، كما نُعيد التأكيد على ضرورة العمل على تحسين الظروف المعيشيّة في المناطق المحرّرة، وإعادة إعمارها وتمكين أهلها النازحين من العودة إليها بعزٍّ وكرامة.
أيها العراقيّون الكرام.. إنّ أمامكم اليوم معركةً مصيريّة أخرى، وهي (معركة الإصلاح) والعمل على إنهاء حقبةٍ طويلة من الفساد والفشل في إدارة البلد، وقد سبق أن أكّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ في خطبة النصر قبل عامَيْن: (إنّ هذه المعركة - التي تأخّرت طويلاً - لا تقلّ ضراوةً عن معركة الإرهاب إن لم تكنْ أشدّ وأقسى، والعراقيّون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون - بعون الله تعالى - على خوض غمار هذه المعركة والانتصار فيها أيضاً إنْ أحسنوا إدارتها).
ومن المؤكّد أنّ اتّباع الأساليب السلميّة هو الشرطُ الأساس للانتصار فيها، وممّا يدعو الى التفاؤل هو أنّ معظم المشاركين في التظاهرات والاعتصامات الجارية، يُدركون مدى أهميّة سلميّتها وخلوّها من العنف والفوضى والإضرار بمصالح المواطنين، بالرّغم من كلّ الدماء الغالية التي أُريقت فيها ظلماً وعدواناً، وكان من آخرها ما وقع في بداية هذا الأسبوع من اعتداءٍ آثم على الأحبّة المتظاهرين في منطقة السنك ببغداد، حيث ذهب ضحيّته العشرات منهم بين شهيدٍ وجريح.
إنّ هذا الحادث المؤلم وما تكرّر خلال الأيّام الماضية من حوادث الاغتيال والاختطاف، يؤكّد مرّةً أخرى أهميّة ما دعت إليه المرجعيّةُ الدينيّة مراراً، من ضرورة أن يخضع السلاح لسلطة الدولة، وعدم السماح بوجود أيّ مجموعةٍ مسلّحة خارج نطاقها تحت أيّ اسمٍ أو عنوان. إنّ استقرار البلد والمحافظة على السِّلْم الأهليّ فيه رهنٌ بتحقيق هذا الأمر، وهو ما نأمل أن يتمّ في نهاية المطاف نتيجةً للحركة الإصلاحيّة الجارية.
إنّنا إذ نشجب بشدّةٍ ما جرى من عمليّات القتل والخطف والاعتداء بكلّ أشكاله، ومنها الجريمةُ البشعة والمروّعة التي وقعت يوم أمس في منطقة الوثبة، ندعو الجهات المعنيّة الى أن تكون على مستوى المسؤوليّة وتكشف عمّن اقترفوا هذه الجرائم الموبقة وتحاسبهم عليها، ونحذّر من تبعات تكرّرها على أمن واستقرار البلد، وتأثيره المباشر على سلميّة الاحتجاجات التي لا بُدّ من أن يحرص عليها الجميع.