مدونة الكفيل .. أقلام وأرواح بين كَفَّيّ القمر .. القسم الثاني

29-05-2020
آمال كاظم الفتلاوي
نحلة لا تكلّ ولا تملّ، تعمل بلا هوادة، معطاءة إلى حد البذخ، مخلصة حد النخاع، تعلم أن عملها تحت أنظار كافل الحوراء، تغلغلت فيه (العمل) حدّ الذوبان، وإبداعها في كتاباتها جعلها مؤهلة أن تتسنم إدارة الشؤون النسوية بمدونة الكفيل، أضحت أختاً، وموجّهة، ومدرِّبة لكاتبات مدونة الكفيل، إنها الأستاذة حنان الزيرجاوي (إدارة الشؤون النسوية في مدونة الكفيل) الحديث معها كان رائعاً، وسياقه متناغماً، وكالآتي:
- من أصعب ما يواجه المثقف النخبوي هو توجيه الخطاب التوعوي وتضمينه وسائل الإقناع بالأخص إذا كان هذا الخطاب موجهاً إلى شرائح المجتمع بشكل عام، وإلى النساء بشكل خاص، كيف يمكننا استخراج خلاصة التجارب الثقافية وتقديمها لكاتبات واعدات قد ترسم لهن هذه الخلاصة خارطة طريق يعتمدنها كمرتكز رئيسي في الدخول إلى عالم الكتابة؟
المثقف النخبوي هو صاحب الملكات العالية من الثقافة الموسوعية، فينبغي عليه -في حال تصديه لمد يد العون إلى كاتب مبتدئ او مجموعة كتاب- أن يعطي خلاصة تجربته وأن يوضح ما هي أقصر الطرق للارتقاء بالمستوى الثقافي للكاتب وعدم تركه في معترك تجارب تعقد حياته، وتنتهي به إلى أبواب مغلقة أو نهايات مجهولة تستنزف جهده ووقته، فيكون نتاجه - في أغلب الأحيان - يعتمد على الاقتباس، لانخفاض مستوى المعلومة لديه.
على من يضع نفسه موضع الناصح أن يكون أميناً في نصحه، فهو بذلك سيثري الجانب المعرفي بأقلام شابة تستمد عطاءها من تجارب رصينة، قُدِمَت لها على أطباق من ذهب؛ اختصاراً للمسافات، هناك بعض الصعوبات التي يواجهها المثقف النخبوي في محاولته تثقيف شرائح أقل مستوى ثقافياً في المجتمع، وخاصة من النساء على اعتبار انشغال المرأة في الأعمال المنزلية ومهام التربية ومتطلبات أخرى كثيرة بعيداً عن تثقيف نفسها، لكنه بفضل تجربته هناك عدة طرائق للتثقيف حول شأن معين يستهدف به المثقف النخبوي اختصار تجربته في ارشادات ونصائح للكاتبات المبتدئات ليرسم لهن طريق الكتابة الأفضل والتطور وتحدي حاجتهن إليها، منها:
١- البرامج التلفزيونية والإذاعية .
٢- مواقع التواصل الاجتماعي.
٣- الندوات التي تتبناها مؤسسات معينة تعنى بهذه الجوانب .
٤- المقالات التي تُكتب بأسلوب سهل يناسب هذه الفئات.
٥- ويمكننا ذلك أيضاً عن طريق تدريبهن على توسيع الإطار الثقافي ومزجه مع المستجدات الطارئة على الساحة بحيث تستخلص من خبرتها عِبرة واقعية تمس أبناء جلدتها وتوصلها بلا تكلّف، بذلك تكون قد رسمَت خارطة طريق واضحة تستطيع الاعتماد عليها كبداية انطلاق قابلة إلى التجديد والتحوير والتغيير كلما احتاجت لذلك، وكلّ هذه الخطوات متبعة في مدونة الكفيل.
- من المعروف أن تثقيف المرأة بمثابة تثقيف الأسرة بأكملها، ما مدى تطبيق هذه المقولة على كاتبات مدونة الكفيل؛ باعتبار أن الأثر دليل على المؤثر؟
هناك مقولات كثيرة في شأن أهمية تثقيف المرأة كونها أمّاً، أي: ربّة أسرة كما في مقولة: «المرأة نصف المجتمع»، لكنها تلد وتربي النصف الآخر، أو كما جاء في البيت الشعري للشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق :
«الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيب الأعراق»
هذا ما هو ملموس ومنقوش في موقع المدونة، فقد استطاعت كاتبات مدونة الكفيل إثبات جدارتهن في طرح قضايا المرأة، وناقشن قضايا اجتماعية، أسرية، نفسية وغيرها، لإيمانهن بضرورة أن تكون المرأة على مستوى ثقافي توعوي يكفي لإدارة الأسرة التي هي جزء من المجتمع، أما إن كانت غير مُعدَّة ومجهزة، فلن يكون نِتاجها محموداً.
المنسوب العالي من العاطفة والحب في قلب الأنثى غير كافٍ -وحده- لبناء سلوك قويم وشخصية قوية مؤثرة في بناء مجتمع، فالتنوع الثقافي يعطيها قدرة على مسك زمام الجانب العاطفي، وعدم تغليبه على الجانب العقلي، وهذا ما تسعى إليه جاهدة إدارة مدونة الكفيل ببناء أساس متين، وقوي، تربوي، علمي، ثقافي، ديني، اخلاقي، وقد حقق –بفضل الله تعالى- نتاجاً زاخراً وأضحت مواضيعهن شرارة انطلاق من أجل التغيير للأفضل تطبيقاً لما جاء في كتاباتهنّ، وما إعادة النشر وكثرة المشاهدات إلّا شاهد على الاهتمام الشديد من قبل شريحة النساء بقراءة كلّ ما يخصهّن من مواضيع، وهذا الاهتمام يدلّ على مدى جديّة تلك الجهود في تطوير قابليات الكاتبات لجني ثمار عملهن بشكل عملي على أرض الواقع.
لقد أدركنا حاجة المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص للتثقيف وطرح الحلول المناسبة للمشاكل التي تواجه الأسرة، ولتجاوز مشكلة قشور السجالات والأبواق المتعالية بنقد الظواهر السلبية والمشاكل دون طرح علاج مناسب لها، نظرنا إلى لبّ المشكلة وبيان أسبابها وآثارها وعلاجها، لدراستها وطرحها علمياً عبر كتابة المقالات في مدونة الكفيل.
نسعى إلى طرح الفكرة الثقافية عِبرَ المجالات الإبداعية المحببة للقارئ والأجناس الكتابية والفنون المختلفة؛ لا أن نجعلها حبيسة أنساقها التعبيرية والصرخات المتعالية والنقد، وهذا ما نعتمده لفسح المجال للتطوير الناجح، ومدونة الكفيل أخذت على عاتقها تلك المهمة الكبيرة من خلال تركيزها على تطوير المرأة وتدريبها لجعلها صاحبة قلم حر وواعٍ ومثقف، تخوض عملية الإصلاح الثقافي الذي يتكامل مع إصلاحات مجتمعية، كونها تمثل الجزء الأكبر منه، والمجتمع حاضنة لإنتاج الثقافة التي تقدم قراءات مغايرة للسائد، وتستنطق المسكوت عنه بحيادية وتجرد لإضاءة ما تم التعتيم عليه سابقاً والذي كان يخضع لآليات تحكمها الأدلجات المختلفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اهتمت المرجعية منذ استلامها إدارة العتبات المقدسة ولحد هذه اللحظات بالجانب الإعلامي والثقافي للعتبات المقدسة؛ كونه الواجهة والمرآة لتوجهاتها وفكرها ومشاريعها؛ ولكونها منبراً رسالياً عالمياً توعوياً؛ تتوجه إليها الأنظار من كل صوب وحدب، فكان لزاماً على المراكز الثقافية أن تكون بمستوى عالٍ من المهنية والكفاءة والإخلاص التي تليق بهذه المسؤولية العظمى.
وبفضل توجيهات سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي (دام عزه) وفق نقاط مدروسة ومنهجية عالية المستوى، وعالمية المدى، وتقديم الدعم المعنوي واللوجستي اللامحدود إلى الأقسام والمراكز التابعة للعتبة كافة، ومن ضمنها (معهد تراث الأنبياء)، وصلت أصداء النتاجات الفكرية في العتبة العباسية المقدسة إلى مراقٍ عالية السمو في الأوساط الثقافية، وبفضل هذه الرعاية الأبوية؛ احتلت مدونة الكفيل مكانة مرموقة، وأخذت على عاتقها مسؤولية عظمى، وهي تضع أمامها كلمات سماحة المتولي الشرعي مناراً به تهتدي وتَهدي، فقد أكد سماحته في مناسبات عدة على أهمية الدور الثقافي وتوثيقه، إذ أكدّ قائلاً: (...لابُدّ أن نكون حريصين جدّاً على مسألة التوثيق...) وأوضح أهمية هذا الحرص بقوله: (...مستقبلاً سنحتاج لإثبات مصداقيّتنا، سنحتاج كلّ شاهدٍ وتوثيق في سبيل أن نقول: نحن هنا، الآن المؤرّخ عندما يتحدّث عن فترة سابقة، يحتاج النصّ في بعض الحالات، وقد لا يجده، فبالنتيجة سيكون الإنسان على حقّ، لكن حجّته ضعيفة...)، وأوضح: (...التوثيق إخواني شاهدٌ حيّ...)، ولبيان مدى هذه الأهمية ضرب مثلاً لخلود نهضة الطف الخالدة، في إشارة إلى أهمية دور المرأة في التوثيق بقوله: (...هذا التوثيق الإعلامي مهمّ، فلولا الحركة الموفّقة والمخطَّط لها من سيّد الشهداءA في العائلة الكريمة، والسيدة زينب(سلام الله عليها) وهذه الخطب البليغة مضموناً وشكلاً، لولا هذا الجانب الإعلاميّ لبقيت كثيرٌ من المسائل غير معلومة، لكن هذا التوثيق الإعلامي الذي مارسته B، وبيّنت من هو الحسين؟ ومن هو يزيد؟ والإمام زين العابدينA حثّ الأئمّة الأطهار على زيارة الحسينA، هذا نوع من التوثيق والتأكيد على أحقّية جهة وبطلان جهة...).
وبيّن سماحته أهمية المسؤولية الإعلامية التي تفرضها علينا المرحلة الحالية بقوله: (...نحن الآن نعيش أزمنة أكثر تطوّراً في قضية الإعلام، لابُدّ قطعاً أن تكون هناك مسؤولية...)، وبما أنّ هذه المسؤولية تحتاج إلى دعم، أكد سماحته على دعمه للعمل الإعلامي بقوله: (...وأنا عن نفسي داعمٌ للإعلام وأشجّعه...) في إشارة دقيقة إلى عدم التقصير في هذا الجانب من ناحية المعنيين بالجانب الثقافي والإعلامي..
وعلى الرغم من انشغالاته، وفي لفتة أبوية ورعاية حانية، أجابنا سماحته عن سؤالنا:
دأبت العتبة العباسية المقدسة على تبني مشاريع ثقافية نخبوية تهدف إلى توجيه الخطاب التوعويّ؛ إيماناً منها بضرورة إحداث حِراك ثقافي متوازن يتغلغل في المجتمع لإحياء الحِراك الإصلاحي الذي تنتهجه العتبة المقدسة في مشاريعها كافة، برأي سماحتكم هل استطاعت مدونة الكفيل من إحداث هذا التأثير، وتحقيق الأهداف المرجوة منها في هذا الجانب؟
الجانب الثقافي بعيد الغور وعميق المرمى، وإن مشاكل المجتمع أصبحت كثيرة وكبيرة؛ بسبب غياب الرؤية الصائبة لكثير من الأمور، ومدونة الكفيل تشق طريقها وسط الفوضى الثقافية، ولا شك في تأثيرها الإيجابي على كثير من الشرائح الاجتماعية والثقافية.
أسرة مدونة الكفيل (مِلاكاً، وكتّاباً، وكاتبات) تصبو متلهفة وتترقب بكل جوارحها الاستماع إلى نصيحة أبوية من راعيها تكون لها شمعة تنير درب سنتها الثالثة، وتنبض مع دقات قلوبها ما حيت.
على الإنسان أن يعمل بنية خالصة وتوجه إلى الله تعالى. أما النتائج فهي مرهونة بأمور عديدة، لكن المهم أن لا يصاب الإنسان بإحباط إذا تأخرت البذرة في الإنبات، أو تأخرت النبتة في الإثمار.
كلمات قيّمة من أبٍ وموجّه؛ تجعل مدونّة الكفيل أمام مسؤولية تاريخية، كلنا ثقة بأنها تحملها وستحملها بكل جدارة وبشكل راقٍ ولائق باسم العتبة المقدسة.