حوار مع ضيفة صدى الروضتين ... الإهــــداء
29-05-2020
اللجنة الثقافية
لا تتجاوز كلمات الاهداء أصابع اليد، لكنها تحمل الكثير من المدلولات الفكرية والعاطفية، والاهداء بطبيعته لا يقل أهمية من عتبة النص (العنوان)، ويكشف عن تشخيص الكاتب، والبعض من الكتاب حوّل الاهداء الى ومضة ادبية وفكرية، ولا شك أن كل كاتب يبحث عن الجديد في عالم الاهداء.
سؤال نوجهه الى الكتاب والشعراء عن معنى الاهداء ومفهومه عند كل كاتب، آراء ننتظرها بشغف؛ كي ينتظم لدينا عقد موضوع نجده من المواضيع الندية والبهية وفي القلب سلام للجميع:
الشاعر نعيم الصياد:
الاهداء هي أول الكلمات التي يخطها المبدع او الكاتب تقع عليها عين المتصفح أو الوالج لعالم الكاتب والباحث، لذلك تكون مفتاح الدخول لمنتوجه الفكري والروحي، لذلك يكون الكاتب حريصاً على انتقاء هذه الحروف بشفافية محببة، وفي كثير من الأحيان تكون كنوع أو جنس أدبي خاص: ومضة، أو سجع، أو شعر، ولذلك أهديتك هذه الكلمات؛ لأنك تستحقها ايها البهي.
الشاعر والإعلامي
عبد الحسين بريسم:
في أول اصدار لي كان الاهداء هو المفتاح الأول الذي أجده صعباً؛ لأنه يفتح الأبواب لدى المتلقي، ولكن وجدت انه لابد ان يكون مدخلاً ايضاً لبقيه نصوص الكتاب، وبالتالي اختصرت كلمة (الاهداء) لتكون موحدة في اغلب اصداراتي ومن اولها كانت عبارة (محبة تشمل الجميع).
علماً أني أجد أن المتلقي يجب أن يكون هو من يبحث عن الكتاب خاصة وان العلاقة يجب أن تكون عشقاً ومحبة بين المنتج والمتلقي، كما كنا نفعل نحن عندما نبحث عن الكاتب والكتاب، قبل أن تكون لنا معرفه شخصية مع الكاتب يعني المعرفة معرفه النص قبل الناص.
إن قضية الاهداء وهي الدال الأول للمعرفة ليست بالضرورة ان تكون في كلمات كثيرة، ولا مدح كبير، ولا عبارات جاهزة، وانما كلمات صادقة، مثل اغلب حفلات توقيع الكتب هي طقوس احتفالية فيها الكثير من المجاملات، فهي بالتالي لا تعكس العلاقة الصادقة بين المتلقي والمنتح للنص رغم اهميتها، ولكن البحث والتحري عن الكتاب والكاتب أكثر صدقاً.
ولا يعني ذلك في كل الأحوال قياساً عن المحبة ولا المجاملة، فربما قارئ واحد هو اكثر تفاعلاً من جمهور كبير لا يأتي إلا من اجل التواجد (حشر مع الناس عيد).
وفي زمن التواصل الاجتماعي وعالم النت اصبحت كتابة الاهداء لا تنفع ولا تضر، حيث التواصل بالصوت والصورة والكلمة.
الكاتبة منتهى محسن:
تنتظم أعلى القيم لدى الانسان، وتحضر اقدس الأسماء والأشخاص، وتندفق المع الشخصيات وأحبها لدى المؤلف، حالما يشرع في كتابته للإهداء.
الاهداء عربون شكر للقدوة في مساره، وامتنان جم للنازلين بمجد في ساحة حياته.
الجميل انه قد يمنح للأموات كما للأحياء على حد سواء، الفارق ان هنالك من يعيش بعد مماته، وان هنالك ميتاً في حياته.
الشاعرة ايمان كاظم:
لطالما تساءلت وشغلتني أصل الفكرة لكل شيء، وكان للإهداء نسبة من جملة هذه التساؤلات، أول من فكَّر بكتابة الإهداء هل كان يشعر بكمّ من الامتنان لأحدهم أو لشيء ما لدرجة أنه قدّم منجزه كهدية اعتبارية عبر نص يفتتح الكتاب؟!!
لم أحصل على إجابة وافية؛ لأني لم أرجع للمصادر التي تبين أوائل من كتبوا الإهداء، ليكون عتبة مهمة في حرم الكتاب لا يمكن التخلي عنها، لاسيما وإن كل كاتب في أي مجال من مجالات الكتابة سواء العلمية أو الأدبية لابد من تحليه بثقافة الامتنان والعرفان بالجميل لأشخاص مقربين، أو شخصيات اعتبارية، أو إشارات رمزية ليهدي لها عصارة جهده بنص أنيق يليق بدلالة التسمية (إهداء).
ولأني مأسورة بقراءة الإهداء في كل الكتب التي قرأتها في حياتي، كنت ارتجف واقعاً وأنا أكتب سطور الإهداء بخط يدي في مجموعتي الشعرية (فصول الجوزاء)، ولأنه كان لأبي، مازلت أشعر إلى الآن أنه كان هدية متواضعة إلى روحه التي حتما تراقب خطواتي وتتقبل مني الهدايا بفرحة.
الشاعر غانم العيساوي:
يعد الاهداء العتبة الثانية بعد العنوان لمعرفة كينونة المجموعة الشعرية ومدى قابلية الشاعر في رسم المفردات الإبداعية للنص وتفسيره أو تفكيكه وتركيبه ومنهم من يرى بأنها مجرد إشارة شكلية مجانية أو ثانوية لا علاقة لها بالنص ولا تخدمه لا من قريب ولا من بعيد، بيد أن الشعرية الحديثة أعادت الاعتبار لكل المصاحبات النصية والعتبات المحيطة بالنص التي تشكل ما يسمى بالنص الموازي، وأصبح من الضروري قبل الدخول في النص الوقوف عند عتباته.
ويعتبر الإهداء هو ذلك الابتعاد عن (أنا) الشاعر الى ذات أخرى متجردة لتشكل ممراً بين الشاعر ولمن ساعده في رسم ملامح المجموعة الشعرية، وهي تختلف من شاعر لآخر من حيث السباكة اللغوية، ومدى انسجامه، ومدى تعظيمه وتبجيله كأن تربطه به علاقة أسرية كأحد أفراد العائلة أو الوالدين أو اجتماعية كصديق أو ثقافية كأديب، وربما تجمعه به علاقة مادية كأن يكون بوابة للدعاية والترويج لشخصية سياسية او تجارية.
الأديب علي لفتة سعيد:
لا يعدو الإهداء عن كونه رسالة امتنان لشخصٍ ما، قد يكون أبًا أو أمًّا أو حتى ولدًا وحفيدً وزوجةً وحبيبة وحتى صديقًا وفيًا، ربما بدأ الإهداء من الرسائل والاطروحات الجامعية، تثميناً لموقفٍ عائلي، ثم تحوّل الى إهداءٍ أدبي تثمينًا لموقفٍ ما لا يختلف عن ذلك الإهداء الجامعي إن صحت التسمية، ثم تحوّل بعد ذلك الى عتبةٍ مهمّةٍ من عتبات النص، إذا ما كان المنتج/ المؤلّف قد تمكّن من طرح الفكرة ومعالجتها الأدبية ليتوّجها بإهداءٍ مرتبطٍ بالقصدية التي يحملها النصّ الموضوع بين دفّتي كتاب، دون الابتعاد عن الخاصية الأولى التي يوجد فيها الإهداء كشكرٍ أو عرفان وربما في الكثير من الأحيان يتحوّل الى مادّةٍ للعتاب أو التشهير.
في خضم تطورات الوعي الكتابي والتلقي الإيجابي والنقد الأكاديمي، فإن الإهداء لا يقلّ أهمية عن فحوى ومضمون الكتاب ذاته، ففي الكثير من الأحيان لا يكون إهداءً الى شخصيةٍ محدّدة، بل قد يتحوّل الى نصٍّ شعريٍّ أو اقتباسٍ شعريٍّ أو مقولةٍ بلاغيةٍ أو استشعارٍ نقديٍّ أو تنويهٍ لغويٍّ من أجل استدراج المتلقّي أو سحبه الى منطقة الجذب والتلقّي، بمعنى أن الإهداء قد يتحوّل الى مادّةٍ مباشرةٍ أو خط مستقيمٍ الى هدفية الفحوى والمضمون من ثم التأويل الأوّل.
وقد يكون محاولةً لتوجيه القراءة الى المنطقة التي يريدها المؤلف، ولهذا فإن الإهداء قد تحوّل من منطقة الشكر والعرفان الى الدليل الأول للبحث عن المدلول في الكتاب ذاته، فإهداء الرواية أو النصّ الأدبي قد يكون مختلفًا عن إهداء الكتاب التاريخي أو المنهج الأكاديمي أو الكتاب في البحث الإسلامي مثلاً، فمن العنوان تتضّح صورة الكتاب ومن الإهداء يمكن أن يكون الطريق الأول لخاصيّة الكتاب ذاته.
ورغم ذلك، فإن الكثير من المؤلّفين لا يعدونه نصًّا أو عتبةً او منطقة دخولٍ ثانية بعد العنوان بقدر ما هو رسالة شكر الى الأهل بتنوّعهم، يعلمهم أنه لولاهم لما أكمل الكتاب، أو تنويهًا الى شيءٍ محبٍّ ليزداد التعلّق.
أمّا على المستوى الشخصي، فإن الإهداء تحوّل في نتاجي الثقافي المتنوّع من عملية شكر وواجب الى عملية التنويه لدليل المدلول الذي بسببه وجدت فكرة الكتاب، ومن ثم التحوّل الى البحث عن القصدية.