الـزاجـــل سـيــد الـحـمـــام

19-08-2020
رحاب سالم البهادلي
يتميز الزاجل بعودته إلى موطنه، يحمل الرسائل من بلد إلى آخر، ويربط في قدمه رسالة يحملها عائداً إلى موطنه، وهو حمام من أصول أفريقية، وخصوصاً من السودان وليبيا والجزائر.
يعد الزاجل سيد الحمام في الدنيا بدون منازع؛ لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة إليه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها في ايصال الرسائل، وما يؤديه من خدمات جليلة في تاريخ الحروب، ونقل أخبارها إلى الدول.
وما يزال الزاجل موضع اهتمام علماء الأرصاد للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الحديثة مثل: الأقمار الصناعية والرادارات وغيرها، إذ تستطيع حمامة واحدة من الزاجل بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى الكثير مما تبحث عنه مع توفير الكثير من النفقات التي ترصد لتلك الأجهزة.
وقد استخدم الزاجل لأول مرة في الأغراض الحربية عام 24 قبل الميلاد، عندما حاصرت جيوش القائد الروماني (ماركوس أنطونيوس) قوات القائد (بروتس) في مدينة (مودينا) إلا أن (اكتافيوس الثالث) كان على اتصال دائم مع (بروتس) للاطلاع على صموده في الحصار، من خلال الرسائل التي يرسلها له بواسطة هذا الطائر.
وللعرب تاريخ طويل حافل مع الزاجل، فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته، واهتمت بأنسابه، ووضعت الكتب والدراسات في طبائعه وأمراضه وعلاجه، وكان البريد يعتمد على الخيل والجمال وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول في إرسال الأخبار والمعلومات العسكرية من وإلى مركز الخلافة.
ومع اتساع رقعة الخلافة الإسلامية وزيادة الفتوحات، إضافة إلى كثرة الفتن الداخلية ومحاولات انفصال الأقاليم عنها، ومع ازدياد مصادر الثروة وتنوعها وكثرة مؤسسات الدولة، أصبح لابد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة لضمان أقصى فاعلية لعمل ديوان البريد، الذي يضمن اتصال اطراف الدولة الواسعة ببعضها وربطها بالعاصمة، تم استخدام الحمام الزاجل في البريد؛ لما يمتاز به من السرعة الفائقة والسهولة في إعادة نقله إلى الأماكن التي ستطلقه مرة أخرى، وطيرانه دون حاجته إلى دليل أو مرشد، ودقته في الوصول إلى أهدافه، وكذلك لجمال شكله، حتى تنافسوا في اقتنائه والعناية به، وتحسين نسله، فأخضعوه إلى مراقبة دقيقة، ونظموا له السجلات الخاصة بحركته وخصصوا له المربين.
يقطع الزاجل آلاف الأميال يومياً باتجاهات مختلفة في أنحاء الإمبراطورية الإسلامية وساعده في ذلك سلسلة الأبراج التي اقامتها الدولة، التي يبعد الواحد منها عن الآخر حوالي 50 ميلاً، وكانت مجهزة لاستقبال الحمام واستبداله، إذ كانت القوافل الكبيرة تحمل معها أقفاص الحمام، وترسل بواسطته الرسائل إلى مراكزها في كل مرحلة من مراحل الرحلة؛ لكي ترشد القوافل الصغيرة التي تسير على نفس الدرب أو تنذرها عند تعرضها إلى الخطر، فتطلب النجدة والمعونة من أقرب مركز، أو انها كانت تخبر المكان الذي تنوي الوصول إليه بالمواعيد ونوع البضاعة التي تحملها؛ لكي يستقبلها التجار المعنيون بالشراء.
وعن الزاجل أحاديث كثيرة، ففي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الألمان على بلجيكا اصطحب المظليون الحمام خلف خطوط جيوش الحلفاء، ثم أطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها، وفي فرنسا أجريت مؤخراً مناورات، اشترك فيها حمام الزاجل في اطار تدريبي على إمكانية زجه في عمليات الاتصال، ولكن لم يصل العلماء إلى الآن إلى حلّ جذري أو نظرية مثبتة عن كيفية معرفة الزاجل موطنه الأصلي، ويبقى موضوعاً يحيّر العقول.