محاورة صدى الروضتين مع الأستاذ (محمد عليق) من لبنان
29-10-2020
بشرى مهدي بديرة
التحاور مع صاحب نصرة حسينية واضحة الملامح، تحمل جوهر الفن عطاء، ومن المؤكد أنها قضية هوية وانتماء، نحاوره عن طبيعة العمل بصورة عامة، وخصوصية عمله في مجال الهندسة الصوتية في الأعمال الحسينية، وهل يعتبر المهندس الصوتي أو الموزع شريكاً فاعلاً في الأداء الفني للمنشد والرادود الحسيني أو للعمل برمّته؟
المهندس محمد عليق:ـ بداية أتوجه بالشكر لجريدة صدى الروضتين التابعة للعتبة العباسية المقدسة على حسن استضافتي في هذا الحوار الجميل والهادف.
نعم، المهندس والموزع، هما شريكان أساسيان فاعلان لاكتمال ونجاح أي عمل فني .أنا أعمل منذ عام 2009 في بلدي (جمهورية لبنان) ضمن مجال التوزيع والهندسة الصوتية، وصناعة وتسجيل الموسيقى التصويرية للأفلام والمسرحيات الحسينية، وبطبيعة الحال (الاستديو) هو المكان الذي يتم فيه إنتاج كل هذه التفاصيل من الألف الى الياء.
ومنذ قرابة الخمس سنوات، اتّجهَت أغلب أعمالي نحو قصائد اللطم الحسيني والمراثي تلحيناً وتوزيعاً وهندسة؛ نظراً لازدياد عدد الرواديد والمنتجين وانفتاح العالم على وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة نشر وترويج الأعمال عبر تطبيقات عديدة، والحمد لله قد لاقت استحسان وإعجاب الكثيرين.
أما عن علاقة الموزع أو المهندس بالعمل أو صاحب العمل، فإن كل موزع موسيقي ومهندس صوت هو مكلّف ومسؤول عن إنتاجاته ورسالته وأعماله الملتزمة، الواجب طرحها بصورة جميلة وهادفة للمجتمع.
ولابد أن تكون لديه خلفية معرفية في ما يخصّ أهل البيت D، ليقوم بأداء دوره وأن يعيش حالة القصائد بمواضيعها وعناوينها المختلفة، وينجز المحتوى الفني دون شوائب.
- نحن نمتلك اليوم إمكانية نشر القيم الحسينية والتأثير بالواقع وتصحيح مسارات التفاعل معها، هل نمتلك الأدوات الفاعلة التي تعكس قيم الواقعة؟
للإعلام أهمية مفصلية في القضية الحسينية لنشر أهدافها وترسيخ رسالتها واستمراريتها، ومن ضمن هذه الوسائل الاعلامية: المجال (المرئي والمسموع) الذي نعمل به على صعيد (اللطميات) توزيعاً وهندسة، ومدى قوة وتأثير هذا المجال في الجمهور، وقدرته على إيصال المأساة الحسينية وإظهار التفاعل العاطفي مع القضية الحسينية، وقد عمل جنباً إلى جنب مع أحداث الواقعة والروايات لترسيخ هذه الملحمة في النفوس والأذهان.
نحن نملك كل الأدوات التي تعكس قيم الواقعة إذا توفّر (الوعي الفكري) لدى الموزع والمهندس، ونمتلك إمكانية نشر القيم الحسينية والمؤثرية الصحيحة إذا أحسنّا اختيار الأعمال بشكل راقٍ وصحيح لنطرحها للمتلقّي بطريقة جاذبة ومؤثرة.
الدراسة والخبرة متفق عليهما أنهما الأساس، ولكن هنالك عوامل أخرى لا بد وأن تتوفر في كل موزع موسيقي وملحن ومهندس وشاعر ورادود ومنشد... الخ.
- ما الذي يميز الأداء المسجل عن الأداء المنبري من الناحية الفنية بعيداً عن الجانب التأثيري وانعكاساته على الرادود؟
من الناحية الفنية، الأداء المسجّل (الاستديو) يضاف إليه الكثير من فلاتر الصوت المتطورة والتكنولوجية -إن صحّ التعبير- والمؤثرات التي تسهم في تصفية الصوت، وجعله بجودة عالية ونظيفة .
أما الأداء المنبري، فهو حيّ ومباشر وطبيعي، يعتمد على قوة أداء وصوت وقدرات الرادود على المنبر، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يضاف بعض المؤثرات مثل: الصدى لتحسين الصوت، وتقديمه للمتلقي أو المستمع، وبالتالي فالرادود القدير الموهوب، يستطيع أن يبدع في كِلتا الحالتين (منبر واستديو).
- عملكم الفني يحمل مقومات مزج العقل الإبداعي بإيمانية تفعيل الشعائر وإظهار قدسيتها، ماذا تضيف إلى القصيدة لتصل بها إلى هذا المستوى الشعوري؟
الموهبة عطية ومنحة ربانية، إمّا أن تدعم موهبتك وتعمل على تطويرها، وإمّا أن تبقى مكانك وتكرر نفسك.
من هذا المنطلق، أنا أعمل على تطوير معلوماتي وموهبتي يومياً وفي كل وقت لتقديم ما هو جديد وأفضل على الساحة الحسينية، وهذا سبب من أسباب النجاح الأساسية لأي موهوب.
أن تحب عملك، وتشغف به، وتعيش حالة القصيدة بتفاصيلها المشوّقة، كافٍ لأن تصل إلى مستوى شعوري مذهل يعطيك حياة وروحاً لإنجاز عمل حسيني.
أستطيع القول: إنني أضيف بعضاً من (الحب) إلى القصيدة، يكفي أن أستيقظ وبداخلي كمّ هائل من الحبّ لشيء ما أو لهدف معين.
- تشكو أغلب الأعمال الفنية من التصنّع والإسراف -إن صحّ التعبير- في المؤثرات التي ترافق العمل، كيف تجاوزتم هذا العائق من خلال خبرتكم؟ وكيف حافظتم على خصوصية العمل الحسيني؟
الفنّ سلاح ذو حدين، فكما يمكن أن يقهر الإنسان إذا تناولته يد غير حكيمة، يمكن أيضاً أن يرتقي به ويعالج مشكلاته إذا كانت له غاية نبيلة.
الوعي الفكري والنضوج والتثقف، هذه عوامل يجب أن تتوافر في الشاعر والملحن والموزع والرادود، الخلفية الثقافية الواعية سوف تكبح كل ما يمكن أن يُسيء أو يحرّف بوصلة القضية الحسينية.
العمل الفطري سيكون بعيداً جداً عن العمل الآني المشبع للأنا وللأغراض الشخصية، وسيكون خالصاً نقياً لوجه الله تعالى وسينجح.
أما الأعمال والنوايا التي تصب في مصلحة شخصية -من حبّ للظهور أو للشهرة أو لكسب الأموال- فقط دون الرجوع لأساس وأهمية هذا الجانب الفني الذي يعتبر من أهم ركائز الإعلام الحسيني، فهذا أشبه بفقاعات الصابون التي سرعان ما تتلاشى بعد وقت قليل وتذهب هباءً منثورا، نريد أن يتفهّموا جوهر القضية الحسينية، ويلتزموا بما هو زينٌ لنا ولهم، وبما يرقى له مذهبنا.
- لاشك أنك تمتلك خبرة التعامل مع النص الحسيني من خلال العمل لسنوات عديدة، كيف تقيّم عملك اليوم؟ وما الأمور التي لازلت محافظاً عليها، وما الثغرات التي تم تجاوزها؟
هذا العالم الفني هو عالم واسع جداً، أشبه بالكون الممتد اللا محدود، فنحن نبحث دائماً عن الجديد فيه ونُبحر ونكتشف، وبطبيعة الحال التقييم يعود لذائقة الجمهور الحسيني ومدى تأثّره بأعمالنا المتواضعة التي طرحناها مسبقاً وسنطرحها لاحقاً.
أستطيع القول: إنني متصالح مع نفسي في طرح أعمالي، وراضٍ بمبادئي تجاه ما أبذل من جهد تجاه الساحة الحسينية، كل إنسان لديه ثغرات وبعض الهفوات التي قد يفتعلها من غير قصد أو من غير وعي ونضج فكري وفني، الأهم أن يبحث ويغيّر ويطوّر نحو الأفضل، ونحو ما يليق بسمعة هذا الخط المقدّس.
والتجربة مع أشخاص ذوي كفاءة وخبرة وتاريخ ودراسة سوف يؤثر إيجاباً في تصحيح البوصلة، وهذا ما خضته بالتعامل مع موسيقيين ومهندسين ومخرجين ومنتجين ورواديد أصحاب كفاءة وخبرة عالية جداً، أضافوا لي الكثير في مستوى عملي، ولا زلت أنهل منهم، فالالتزام بالمعايير والمبادئ الحسينية الصحيحة للقصيدة الاسلامية الملتزمة، والابتعاد عن تشويه صورة وهوية اللطمية الحسينية، هي أمور أنتهجها وأشجّع عليها دائماً.
السعي جاهداً لتأسيس مدرسة وإيقونة وهوية خاصة بكل مهندس وموزع بعيداً عن النسخ والتقليد والتكرار لصنع محتوى إبداعي جديد ومبتكر ومتفرّد يؤثر في الجمهور والأجيال القادمة.
- طبيعة عملك تقتضي أن يكون مباشراً وأمام تقييم ونقد الناس وعلى مرأىً منهم ما يضعك في موقع مسؤولية وفي رهان على ضرورة حتمية النجاح، وخاصة أن محتوى العمل هو نشر الفكر الحسيني وتقديمه للعالم بشكله النقي الخالي من أي تشويه، ما الجهود التي تقوم بها لتحقيق هذا التكليف؟
العمل الفني هو عمل مسؤول ذو طابع رسالي، وهذا ما يحتّم علينا أن نحمل عبئاً كبيراً ومسؤولية بحجم هذه القضية، جهودنا ترتكز أساساً على الالتزام بفتاوى مراجعنا (حفظهم الله) حول ما يخص مجال الموسيقى والهندسة الصوتية، والتفكير بوعي ونضج تجاه ما قد ننتجه من أعمال يجب أن تكون ملتزمة بموسيقاها وإيقاعاتها.
أتلقى الكثير من النقد الهادف البنّاء، وأعمل جاهداً على تصحيح بعض الأخطاء أو الثغرات الفنية لما هو أفضل لنشر هذا الفكر الحسيني والحفاظ على عدم تشويه صورته والإساءة له، والأهم هو تأثيري في الشاعر أو الرادود أو المخرج وتبادل النقاش معهم قبل البدء بأي مشروع فني، وهذا ما نراه يصب في مصلحة العمل .
- صار الارتكاز على تقديم السيرة العاشورائية التاريخية كما هي بدون التأثير والتفاعل في يومنا هذا، هل نحن بحاجة فعلية لإضافة عناصر مؤثرة أو لافتة لتفعيل الجانب الشعوري وتعزيزه؟ ألم نعد نكتفي بالانفعالات اللاشعورية الفطرية التي تسكننا بالتعامل مع القضية الحسينية؟
الزمن يتقدم ويتطور، والمجال الحسيني الفني أصبح واسعاً جداً بتقديم الوسائل الحديثة والتقنيات والأدوات والهندسة الرقمية التي سهّلت تنفيذ الأفكار في القصائد توزيعاً وهندسةً، بطبيعة الحال نحن نعمل جاهدين للهروب من التقليد والتكرار في إخراج القصائد، وهذا عامل إيجابي يسهم في جذب واستقطاب الجمهور والمستمع.
أنا شخصياً لجأت للبحث عن أصوات وبرامج حديثة للإضافة للساحة الحسينية، وللهروب من الأشياء التقليدية التي اعتاد عليها الناس، وبرز هذا التطوير مؤخراً في أغلب أعمال الشيخ حسين الأكرف توزيعاً وهندسة والله وليّ التوفيق.
- تجربتك مع القضية الحسينية تجربة مميزة، تم إثبات نجاحها واقعاً، هل تخلّصَت تجربة بهذا العمق من النمطية والمحلية، ونضجت بشكل يؤهلها للانطلاق بقوة نحو العالمية، أم أنها لازالت تعاني من بعض المعوقات التي تقف في وجه عالميتها؟
لا أجزم بأن تجربتي ذات طابع عالمي بحت، ولكن هذا ما أطمح إليه واقعاً أن يعمّ النهج الحسيني سائر أرجاء العالم، أعمالي محلية وإقليمية عربية، انتشرت بداية في لبنان ضمن محيطي وبيئتي، ومن ثم انتقلت منذ خمس سنوات نحو الدول العربية الخليجية تحديداً، ولاقت صدىً واسعاً على صعيد الأناشيد أو المواليد أو اللطميات.
عالمنا الفني محدود نوعاً ما، ينحصر فقط ضمن بيئتنا الإسلامية، وضمن تواجد هذه الدول جغرافياً، ولكن لا بد من الإشارة أنه كان من المميز هذا العام في محرم 1442 تشرّفي بالهندسة الصوتية لبعض الرواديد من أصول عراقية ولبنانية موجودين في دول أوروبا (الدنمارك والسويد)، وفي أميركا وتحديداً (كندا)، الأمر الذي أسعدني وأعطاني حافزاً ودفعاً معنوياً لمتابعة هذه المسيرة المشرّفة في خدمة أهل البيت D.
- للأسف نجد بعض المؤثرات الصوتية النغمية تحديداً قد انحرفت نحو التطريب المحرّم شرعاً الأمر، وخلقت اشكاليات فعلية تمسّ بعمق الفكر الحسيني والمذهبي، كيف حافظتم على نقاء أعمالكم من هذا التشويه؟
للأسف لمسنا منذ سنوات بعض التحريف والإساءة والتوهين لمذهبنا عبر إدخال نغمات وإيقاعات وكلمات شعرية غير لائقة بأهل البيت D، ولا تمتّ بصِلة لرقيّ المسيرة والنهج الحسيني.
والأسباب تختلف في هذا الموضوع، أهم سبب هو الجهل وعدم الوعي عند بعض المهندسين أو الشعراء أو الموزعين الموسيقيين أو حتى بعض من أسمى نفسه (رادوداً حسينياً). وبعضهم لم يكترث لفتاوى مراجعنا العظام حول حليّة وشروط الالتزام بمعايير القصيدة الحسينية قلباً وقالباً.
هناك محتويات فنية لا تمثّلنا، وهي أسهمت في تشويه وتوهين المذهب ونقل الصورة الخاطئة عن واقعة وأحداث الملحمة الكربلائية، نصيحتي أن نلتزم جميعاً ببناء وصنع وإنتاج محتوى فني راقٍ هادف واعٍ لضمان استمرارية هذه المسيرة بالتزامن مع ما هو واضح وصريح في الشريعة والمتمثل بفتاوى علمائنا.