حوار مع الكاتبة المبدعة الأستاذة (نعمت أبو زيد)

29-10-2020
منتهى محسن
كانت المرأة ومازالت كائناً يعطي الكثير، ويقدّم الخدمات بلا حدود، ولكل امرأة فصول وحكايا ولمسات تتشابه في حدود العطاء، وتختلف في نوع التميز والإبداع، فالمرأة معين لا ينضب، ورافد يهَبُ الحياة الخير والسرور، وعند المرور على أسماء لامعة للنساء، نجد أنهن خلقن لأنفسهن جواً من التحدي، ووظفن الطاقات لأجل تحقيق الحلم والطموح حتى بلوغ المنى والأمل المنشود.
كان لنا لقاء مع إحدى المبدعات اللواتي طرقن أبواب التحدي بكل عنفوان، وحققن الانجازات الجميلة التي ستُسجل في صحيفة أعمالهن بكل زهو وفخر.
ستكون رفيقة سطورنا اليوم الأستاذة (نعمت أبو زيد) كاتبة ومحاضرة في أدب الطفل، نرحب بها أجمل ترحيب، وأهلاً وسهلاً في هذا اللقاء المبارك.
- البطاقة الشخصية؟
أهلاً وسهلاً بكم، وأنا سعيدة بلقائكم، أقدّم نفسي بكل تواضع:
(نعمت عباس أبو زيد) من لبنان، متزوجة ولي ثلاثة أولاد
ماجستير علوم القرآن والتفسير
بكالوريوس في العلوم التربوية
دبلوم في اللغة الفارسية
مدرّسة لغة عربية في مؤسسة تعليمية بارزة
أستاذة مُحاضرة في جامعة المصطفى العالمية المفتوحة – قم (قسم الفلسفة الإسلامية والعرفان).
حائزة على الكثير من الشهادات في الدورات التربوية والتعليمية والتنمية البشرية والدينية من إيران ولبنان.
كاتبة في مجلات عدة، ومدوّنة الكفيل
كاتبة قصص ومسرح للأطفال.
- هناك تنوع جميل في مهاراتك، ما بين تخصصك في اللغة العربية والتدريس وهواية الكتابة، ترى هل هنالك قاسم مشترك بهذه المهارات؟
برأيي التعليم والكتابة رسالة وهواية واللغة تنمّيهما، فالتعليم يحتاج الى دراسة ومدارك خاصة، والكتابة موهبة ينمّيها الإنسان عبر الزمن من خلال المطالعة، أو ممارسة الكتابة، وتصقلها اللغة المتينة، فلا يمكن الكتابة بلغة ركيكة تملؤها الأخطاء الشائعة أو اللغوية، فهذا يُعيبها ويشتّت القارئ مهما كانت جودة الأفكار المكتوبة.
- قد صدق من قال:
(إن الذي ملأ اللغات محاسناً .. جعل الجمال وسرّه في الضاد)،
ومن خلال متابعتي لسيرتك المكللة بالجد والعمل، وجدت أن لديك حضوراً مميزاً في مسرح الطفل عبر الدورات التي تنظمينها حول أدب القصة الخاصة للطفل، ما هو هدفك من ذلك؟
عندما نسمع كلمة (قصة)، يتبادر إلى الذهن ارتباطها بالطفل؛ لأنها تُشكّل متعة خاصّة له، وأصبح التربويون يستخدمونها كوسيلة لنقل الأفكار والقيم التربوية أو العقائدية أو الدينية واللغوية وغيرها من الأهداف الكثيرة، بالإضافة إلى التسلية المُمنهجة.
والمسرح ما هو إلا تجسيدٌ لقصة ما بقالبٍ من الأحداث الحية على خشبة المسرح أو عبر مسرح الدمى والعرائس، وأيضاً له أهدافه وأهميته في نقل القيم التعليمية والقيمية.
وارتباطي الشخصي بعالم الطفولة هو ما شدّني الى ذاك العالم، وأنا كلّي إيمانٌ بما يرفده من فوائد على تنمية الشخصية - إن تمت الاستفادة منه على أكمل وجه وراعى القواعد المطلوبة - وهذه القواعد والأسس التي يجب أن يتقيّد بها الكاتب ليحقق المأمول منها، لذلك كانت الورش والدورات تُعنى بهذا الجانب.
- هل تختص ورشك بالطفل والتربية بشكل خاص؟
في الحقيقة، الورش كانت تتمحور في غالبيتها حول الناحية التربوية؛ كونها بداية اختصاصي، ودراستي لأدب الأطفال، وعملي أيضاً في التعليم لهذه المرحلة لفترة تفوق الــ(18) عاماً، وهذا لوحده يشكّل عاملاً محفّزاً؛ لأنه حافل بالخبرات العملية فضلاً عن النظرية.
ولا يخفى علينا أنّ الخبرة العملية تفوق الخبرة النظرية (مع أهمية تلازمهما)؛ لأنك ترين الأمور على حقيقتها وتلامسينها بكل حيثياتها، وترافقين المراحل العمرية خطوةً بخطوة، وتدركين مشاكلهم وتعالجينها من خلال الكثير من الوسائل التربوية.
كما وأنّ المجتمع بحدّ ذاته بحاجة إلى التعرف على الأسس التربوية الصحيحة؛ كوننا نفتقد هذه الثقافة، فالأغلب يمارس التربية على خُطى الآباء والأجداد، ولكن في السنوات الأخيرة أدرك هذا الجيل أنه لا بد من الرجوع الى الدراسات، وبخاصّةٍ حول المراحل العمرية، وكيفية معالجة السلوكيات السلبية وغيرها من المشاكل.
- حضورك الفعال في المؤتمرات العلمية، وفعاليتك في الأجواء الثقافية، هل لديك رسالة تحبين إيصالها للمرأة من خلال تلك الأجواء؟
نعم، فضلاً عن الخبرات العلمية التي تضخّها المؤتمرات العلمية، فهي تشكّل ملتقى لمختلف المجتمعات ومن كل البلدان، فينتج من خلالها عُصارة التجارب والدراسات العلمية والعملية، وتبادل الخبرات لاختيار أفضل السُّبل العلمية ليحملها كلٌّ من الحضور إلى بلده لينشرها، فهي فرصة للتعرف على الثقافات والانفتاح الفكري.
- دراستك في جامعة المصطفى العالمية لنيل الماجستير في علوم القرآن والتفسير، ماذا أضافت لك كاستزادة علمية؟
علومنا - نحن المسلمين - منبعها كتاب الله العزيز، وسيرة وأحاديث رسولنا الكريم J، وأهل البيت D، فعند دراسة القرآن الكريم يعني أنّك ذهبت للمصدر دون كل المتفرّعات، ففيه الدروس العلمية والتوجيهات التربوية والدينية، وكثير من العلوم، فهذه بحدّ ذاتها حافز، وجامعة المصطفى العالمية المفتوحة، تعني لي الكثير؛ كونها وفّرت لي الرجوع إلى الدراسة المتناسبة مع وقتي، فتدريسها عن طريق الانترنت حقق لي هذه العودة التي ابتعدتُ عنها قسراً؛ بسبب تكوين الأسرة وممارسة التعليم.
وكما فتحت لي عالماً من التواصل مع الطالبات من جميع البلدان العربية، وهذا أيضاً يشكّل رافداً مهماً للتعرف على الثقافات الأخرى والتعاون بين الطلاب بعضهم مع بعض، وصدقاً من كل فرد هناك تتعلّمين شيئاً، ربما يفتح لك الأفق للبحث في العديد من المواضيع، على سبيل المثال، منهنّ من تبرع في التفسير، والأخرى في الفقه، وغيرها أسّس مجلة الكترونية، فهذا الجو فعلاً كان مليئاً بالاستزادات العلمية.
- من خلال المهام التي أنيطت بك وأنت في الجامعة، لمست قدرتك على التميز، واستغلال كل نقاط القوة والإبداع لصالحك، حدثينا عن جانب من تلك المهام؟
نعم، المرأة لا تقلّ قدراتها عن الرجل، وربما تفوقه في بعض المواقف، حيث بإمكانها أن تشكّل أسرة، وتعمل، وتدرّس في آنٍ معاً دون إنقاص حق على أيّ منها، والأهم من هذا كلّه هو وجود الدافعية لديها للقيام بكل هذه الأمور، والشخصية تلعب دوراً في هذا الأمر، فيجب أن تكون مُنظّمة، تُحسن إدارة حياتها وعملها، وتستطيع تنظيم الأولويات.
أيضاً أسلوب التعاطي مع الآخرين يجب أن يكون مرناً، بالإضافة إلى الكثير من الصبر؛ لأن كل عمل له صعوبات ومطبّات تعترضه أثناء المسير.
فعملي في الدورات المجازية كان في وقت لم يكن التعلّم عن بُعد معروفاً كما الآن (في زمن كورونا)، وكان مُستهجناً عند كثير من الناس، فهم غير معتادين على استخدام الفضاء المجازي، لذلك كانت المعاناة لها شقّين، الأول: في ترغيب الطلاب في الاشتراك في الدورات المجازية، والتحدي الثاني: كان بتعليمهم كيفية استخدام التكنولوجيا، وبحمد الله أقمنا مجموعة من الدورات العلمية التي عمّت فائدتها على عدد كبير من الطلاب وغير الطلاب، ومن مدرّسين متمكّنين علمياً.
- ما هي نظرتك عن المستوى الثقافي للمرأة العربية بشكل عام؟ وعن المرأة العراقية بشكل خاص؟
نعم، عندما سمحت الظروف للمرأة أن تنخرط في مجالات العمل والثقافة أظهرت جدارتها وفجّرت طاقاتها، ومن خلال تعرّفي على المرأة العراقية، وجدت فيها طاقات مُختزنة، وعلماً، وثقافة، وقوة، لكن في مُجملها (المرأة العربية والعراقية) تحتاج إلى مدّ اليد إليها للانطلاق، وإعطائها المجال لإثبات نفسها، وتأمين الأجواء المناسبة لها، ولو إننا نرى مبادرات، ولكن بعض العادات والأعراف تحول دون ذلك.
- هل نجحت المرأة الكاتبة في أخذ دورها كالرجل في مجتمعات ما زالت تؤسس لمشاريع الوأد الفكري، إن صحّ التعبير؟
يقول الله سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا...). فالمساواة هذه للشعوب والقبائل، كما هي للذكر والأنثى، والإسلام أراد من المجتمع أن ينظر للمرأة كإنسان يسعى إلى أعلى مراتب الإنسانية، والوأد للفكر يجب أن يكون لهذا التمييز، وكلنا رأينا الكثير من النماذج النسائية الكثيرة في الساحة الأدبية التي أثبتت ذاتها، وفرضت رؤيتها، وأظهرت جدارتها، فالمعيار هو الأفكار ونوع الكتابة لا جنس الكاتب.
- ما أهم التحديات التي تعرضت لها الأستاذة نعمت أبو زيد؟
أهم تحدّ هو مع الوقت، فالتعليم وحده يحتاج إلى تفرُّغ كامل، وهذا يُقلل من إنتاجي للقصص والكتابات، فأعمالي الخاصة لا تزال قليلة بالنسبة إلى أحلامي وقدراتي.
- تخصصك في اللغة فسح لك مجالاً أوسع للتعبير بمنهجية متينة، أين أنت من الكتابة اليوم؟
أنا أعتبر أنّ من أساسيات الكتابة هي اللغة المتينة، ولا يُمكن فصلهما عن بعض؛ لأنك عندما تريدين صبّ الأفكار على الورق عليك أن تختاري كلماتك، مفرداتك، عباراتك مع أسس الكتابة الصحيحة وفنونها التي تعطي صورة عنك، وإلا ضاعت الأفكار وتشتت القارئ.
- علمت بأنك متمكنة من بعض اللغات كالانكليزية والفرنسية والفارسية، في أي مجال استفدت منها؟
من الجميل أن يكون الإنسان على دراية بلغات تُمكّنه من معرفة ما يدور حوله من مجتمعات أخرى، وأيضاً قراءة ما يكتبون، ووجودي ضمن فريق يعمل على التقريب بين المذاهب، ويحتوي على طلاب من جميع الدول الأوربية أحياناً يتطلّب توضيح فكرة أو رأي عن الدين الإسلامي، أو تصحيح مسار، فاللغة تلعب دورها في هكذا مواقف أو في النشر عن حياة الأئمة D وأحاديثهم.
- هل لظروف البلد تأثير على نجاح المرأة بشكل عام، والكاتبة بشكل خاص؟
النجاح لا يقتصر على توجُّه معيّن: كالوظيفة، أو السفر وغيرها، إنّما يُمكن أن تحققه في منزلها في نجاحها في تكوين أسرة مستقرة، تتمتّع بالأخلاق، مؤمنة في تربية أبنائها وإخراجهم للمجتمع بصورة لائقة ومُشرّفة، كما وعالمنا الالكتروني الآن يضجّ بالمنتديات الفكرية والأدبية التي توفّر هذه التنمية وخصوصاً في ظل وضعنا الحالي أو انعدام الأمان، وكثرة الحروب وغير ذلك.
- لكل منا طموحاته، وأهدافه، ما أهم طموح لديك؟
إكمال مسيرتي العلمية، وكتابة خلاصة الخبرات التربوية، فزكاة العلم نشره.
- مؤلفات تحبينها لكاتبات عربيات؟
(طيور أيلول) لــ(إيميلي نصر الله).
- ما أجمل شيء في الطبيعة لديك؟
البحر.
- ما أجمل صفة لديك؟
من باب (مَنْ مدح نفسه فقد ذمّها)، سألت صديقتي المقرّبة عن أجمل صفة تجدينها عندي؟ قالت: الإيثار، ولن أكمل؛ لأنني فعلاً لا أحب مدح ذاتي.
- صفة مزعجة لديك؟
حساسة جداً.
- أجمل صفة تحبينها عند الشريك؟
الحسّ المرهف الذي من خلاله يكتشف ما بي دون أن أنطق.
- رسالتك إلى المرأة، ماذا تحبين أن تقولي لها؟
أدعو المرأة الى التعلُّم، فهي نصف المجتمع على أقل تقدير، وعندما تتعلم فهذا يعني أننا رفعنا نصف المجتمع من ظلمات الجهل الى نور العلم، وهذا أمر لا يُستهان به على مستوى رُشد المجتمعات، وكذلك فإنّ المشاكل التي تحصل عن عدم العلم أو المعرفة تخفّ لو تعلّمت بالشكل الصحيح؛ لأن أغلب المشاكل تحصل بسبب عدم العلم، وبالتالي يتأثر بيتها وتصرفاتها وأساليبها مع أولادها وكل مجتمعها الصغير بعلمها وحكمتها، مع التأكيد على المحافظة على الجوهر الانساني عندها؛ لأن لا قيمة للعلم إذا غفلت عن المحافظة على هذا الجوهر.
- ما هي وصاياك للمرأة الكاتبة؟
بتنا الآن في مرحلة متسارعة من التطور والتقدّم، لذلك يجب أن تكون خطواتنا متناسبة مع هذا التسارُع، وشحذ الهمم دائماً للمواكبة، وعدم الاكتفاء بلوم المجتمع والعادات والتقاليد والأعراف أو ظروف البلد، بل نسعى الى كسر هذه القيود الداخلية أولاً؛ لأنها تمنعنا من التطور والتعلم، فسُبل العلم الآن متاحة أكثر بكثير من أي زمن مضى، ونختار منها ما يُرضي الله (عزّ وجل)، ولنحرّر تفكيرنا (نحرر بمعنى: نفك القيد لا بمعنى التحرر والانفلات).
ولنسع لتعلُّم كل ما يُفيد أولادنا، أسرتنا، عائلاتنا؛ لأن التحديات كثيرة ولم يعُد مسموحاً أن يكون الانسان جاهلاً أو متغاضياً؛ لأن العيون كلّها موجّهة نحو الأسرة المسلمة؛ لتخريب منظومتها المترابطة والمتينة، ويعمل الأعداء ليل نهار لاختراقها وتدمير قيمها بأحدث الوسائل.
- كلمة أخيرة؟
مهما كنا وفي أيّ موقع، فليكن هدفنا دائماً هو الإخلاص في العمل لله (عزّ وجل) وهو كفيلٌ بالتسديد، بالطبع أنا لست في موقع النُصح، ولكن لنذكّر أنفسنا، ولنثابر دائماً، ولا نتوقف عند أقل عثرة، وأن نواصل مسيرنا بكل عزم لنحقق ذاتنا، وأن نُطوّع الوسائل لخدمة أهدافنا النبيلة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- هكذا نلملم أطراف الحديث بعدما غصنا في سيرة مليئة بالإنجاز والنجاح، ونتوج الختام بجزيل الشكر والتقدير لحضرة الأستاذة الفاضلة (نعمت أبو زيد) على ما أجادت به من رؤى وأفكار وإجابات غناء، ونختم بهذا القول: لا تقوم الأمم ولا تُبنى الحضارات إلّا على أكتاف النساء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.