العتبة العباسية المقدسة تحتضن العوائل النازحة جراء الحرب الإرهابية على العراق
30-12-2018
متابعة : علاء سعدون
منذ قرون ولا زال العراق يعاني من أزمات وهجمات شرسة متعددة الاتجاهات، تهدف جميعها إلى إسقاط هذا البلد العريق بما فيه من المقدسات والرموز العظيمة، مع وجود حرب مستمرة على أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام على وجه الخصوص، امتداداً لما بدأ به بنو أمية وبنو العباس من القتل والظلم والاضطهاد... ونحن نشهد اليوم هذه الحرب الإرهابية المدعومة التي تستهدف العراق بكل دياناته وطوائفه، سعياً منها لتقسيمه وزرع الطائفية فيه، لذا كان من الضروري على الشعب العراقي أن يقف صامداً متآزرا ومحارباً لهذه الهجمات بيد من حديد، كما حثت المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني (دام ظله) في النجف الاشرف.
ومن هنا، وانطلاقا من واجبها الإنساني والأخلاقي، بادرت العتبة العباسية المقدسة باحتضان العوائل النازحة من المناطق الساخنة التي تشهد القتل والتهجير من قبل التنظيمات الإرهابية والعبثية تحت عناوين ومسميات مختلفة.
صدى الروضتين التقت مسؤول لجنة إدارة ملف النازحين في العتبة العباسية المقدسة السيد (نافع الموسوي)، متحدثاً بتفاصيل أكثر عن قضية النازحين واستقبالهم:
بعدما شهدت محافظة كربلاء المقدسة ازدياداً ملحوظاً في حركة النزوح وبصورة جماعية، وبعدما أقدمت وزارة النقل والمواصلات العراقية على تسيير رحلات جوية لنقل النازحين من محافظة أربيل التي ذهبوا اليها بعد سيطرة المجاميع الإرهابية والتكفيرية على مدنهم، ومن أجل الإسهام في التقليل من معاناة هذه العوائل، تمّ تشكيل لجنة ترتبط بمكتب الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة مباشرة، تشرف على سكن وإيواء هذه العوائل، والعمل على توفير المستلزمات الحياتية، وخاصة في هذه الأجواء الرمضانية الحارة، ومعظم هذه العوائل هي من النساء والأطفال وكبار السن.
موضحاً: يتمّ استقبال النازحين في مكان خُصّص لهذا الغرض لأجل توثيق أسمائهم وحسب كلّ عائلة وعن طريق الأوراق الثبوتية لها، مع تأييد من معتمدي المراجع في تلك المناطق أو أشخاص ثقات، من أجل قطع الطريق أمام ضعاف النفوس الذين يصطادون في الماء العكر، للتأكّد من سلامة معلوماتهم، وتوحيدها بقوائم وإرسالها للجهات ذات العلاقة من دوائر أمنية وهجرة ومهجرين.
وبعدها يتمّ نقل هذه العوائل الى الأماكن التي تمّت تهيئتها لهم، وهي مدينة الزائرين والحسينيات والمواكب المنتشرة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة كربلاء المقدسة بعد أخذ موافقات أصحابها، فضلاً عن بعض الفنادق التي تبرّع بها أصحابها لهذا العمل الخيري. ويشمل عمل اللجنة بالإضافة لذلك تزويد العوائل بوجبات الطعام، مع توفير الخدمات الطبية والصحية والعلاجية لهم.
مبيناً: تمّ إيواء ما يقارب (13,000 نازح) من قبل العتبة العباسية المقدسة، غالبيتهم العظمى من مدن تلعفر، وشريخان سفلى وبرطلة والقبة التابعات لمحافظ الموصل، مع وجود بعض العوائل من أخواننا السنة في صفوف النازحين الذين عانوا الأمرّين حتى وصولهم لمدينة الإمام الحسين عليه السلام ، بدءا من تهجيرهم وعدم استقبالهم في محافظات إقليم كردستان، وتحديدهم بسقف زمني من أجل سفرهم من محافظات الإقليم حتى وصولهم إلى كربلاء المقدّسة. علماً أن أعداد هذه العوائل تزداد كلّ يوم جرّاء العمليات الإرهابية التي تقوم بها العصابات (داعش).
كما أن العتبة العباسية المقدسة وبتوجيه من سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) مستعدة لاستقبال كافة العوائل العراقية بمختلف دياناتها وطوائفها، وقد دعت لاستقبال الإخوة المسيحيين على الخصوص بعد ما عانوه من التهجير والقتل والاضطهاد.
داعياً: إن دعم العتبات المقدسة للنازحين وإيوائهم وتوفر متطلباتهم لا يعني عدم الحاجة للتبرع لغرض سد حاجاتهم الشخصية خلال الأزمة التي يمرون بها، لذا ندعو الغيارى والمؤمنين القادرين على التبرع المالي لدعم هذه العوائل المهجرة المظلومة، وهي وقفة إنسانية لا بد منها.
في لقاء آخر مع مسؤول (مجمع أم البنين) الذي يأوي النازحين، تحدث السيد (علي مهدي عباس) قائلاً:
بالنظر للظروف الأمنية التي يعانيها البلد وعلى الخصوص في محافظة الموصل، نزحت أعداد كبيرة من العوائل إلى كربلاء المقدسة، وبمبادرة من العتبة العباسية المقدسة تم تخصيص مجمع أم البنين لإيوائهم وتزويدهم بكافة المستلزمات المعيشية من المأكل والمشرب والمسكن.
موضحاً: إن المجمع قد استقبل ما يزيد على (200 فرد) فوق طاقته الاستيعابية، حيث بلغ عدد النازحين في مجمع أم البنين فقط (750 فرداً) وبحدود (160عائلة)، حيث تم تزويد كل عائلة بغرفة مؤثثة ومكيفة، وتحتوي على سويت داخلي يضم مغاسل صحية ومتطلبات أخرى.
وفي ما يخص الطعام، ونحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك، وبحكم أن العوائل صائمة على اعتبار أنها مقيمة في كربلاء المقدسة، يتم تقديم وجبتين من الطعام (السحور والإفطار) للصائمين، ولغير الصائمين من المرضى والأطفال هناك وجبات أساسية ثلاثة، كما تم تزويد العوائل النازحة بالملابس الضرورية لهم ايضاً.
مضيفاً: وفي ما يخص الأمور الصحية، فقد تم بالتعاون مع مديرية صحة كربلاء ومستشفى الهندية العام فتح مركز صحي خاص بالنازحين، يعمل على مدار (24) ساعة يومياً، ومزود بسيارة إسعاف لحالات الطوارئ، كما بادر مستوصف ناحية الجدول الغربي بتلقيح الأطفال دون سن الخمس سنوات تحصيناً من الأمراض والأوبئة، وكذلك للنساء والرجال مع وجود طبيبة مختصة بالحوامل والرضع.
مبيناً: إن هناك برامج دينية مخصصة تقدم من قبل قسم التوجيه الديني في العتبة المقدسة، يجتمع فيها العوائل في المصلى المخصص للرجال والآخر للنساء سعياً لتحسين حالاتهم النفسية بعد الأضرار التي حلت بهم وتركهم لمدنهم ومنازلهم وأملاكهم، بالإضافة لمن فقدوهم من الأهل والأقارب قتلاً وتفجيراً بسلاح المعتدي الإرهابي المجرم.
كما التقت صدى الروضتين بالأستاذ الجامعي (محمد علي محمد) أحد النازحين من محافظة الموصل، ليحدثنا عن الأوضاع التي مروا بها قائلاً:
أنا ومجموعة من العوائل من محافظة الموصل قرية (شريخان سفلى، القبة والحمدانية)،
عانينا كثيرا قبل الوصول إلى كربلاء المقدسة، ابتداء بدخول المعتدين من تنظيمات (داعش) إلى محافظة الموصل والقرى القريبة منّا، حيث أخذوا بالقتل وتفجير المراقد والمساجد والحسينيات... ولكن ولله الحمد استطعنا الخروج من المنطقة قبل دخولهم بنصف ساعة، تاركين ممتلكاتنا وأعمالنا ومنازلنا، وسرنا عبر طرق ترابية ومناطق جبلية وعرة سببت عطل العجلات، مع وجود عائلات لا تمتلك أي وسيلة لنقلهم، حتى وصلنا لأقرب منطقة آمنة لجيش (البيشمركة) والذين لم يتعاونوا مع النازحين في ظل الظروف الصعبة التي كنا نعانيها.
مضيفاً: بعد أن وصلنا إلى حدود ما يسمونه بـ(إقليم كردستان) منعونا من الدخول واشترطوا الاتصال بواسطة لكل عائلة حتى يتم إدخالهم، وقد اخذ هذا الأمر الكثير من الوقت، حتى تمكنت من الاتصال بصديق تكفل بدخولنا لمحافظة اربيل والطيران منها فوراً.
وكانت هناك جملة من الصعوبات في (أربيل) لا يمكن تصورها، حتى أن تذكرة الطائرة التي تباع بسعر (105) بيعت لنا بسعر (180)، ولكن الأمور قد هانت عندما وصلنا إلى النجف الاشرف ولله الحمد، والاستقبال من قبل الإخوة في العتبة العلوية المقدسة جزاهم الله خير المحسنين، قاموا بنقلنا وضيافتنا خير ضيافة تليق بخدمة أمير المؤمنين عليه السلام ، وتخييرنا بين البقاء معهم أو اختيار مكان آخر، ومنها جئنا إلى كربلاء المقدسة.
موضحاً: بعد أن زرنا مرقدي الإمام أبي عبد الله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام توجهنا إلى مجمع أم البنين التابع للعتبة العباسية المقدسة الذي كان قد شرع أبوابه لاحتضان النازحين، ونحن نمكث فيه الان شاكرين جهودهم المبذولة على كل ما قدموه من الخدمات والمتطلبات من المأكل والمشرب والمسكن والرعاية الصحية للنساء والأطفال والشيوخ...
أملنا كبير بأبطال الجيش العراقي والمتطوعين الغيارى الذين لبوا نداء المرجعية بأن يعيدوا لنا ما فقدناه، وبأقرب فرصة إن شاء الله، وأن يعود الأمان للعراق بفضل من الله وأهل البيت عليهم السلام .
كما نكرر شكرنا وامتناننا للعتبات المقدسة على المساعدة والدعم في ظل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها ويمر بها جميع العراقيين.