الأبعاد الاجتماعية في فتوى الدفاع المقدس العتبة العباسية المقدسة أنموذجاً
30-12-2018
طارق الغانمي
الأبعاد الاجتماعية في فتوى الدفاع المقدس
العتبة العباسية المقدسة أنموذجاً
لم ينسَ الإسلام حقوق الأسر، بل أمر بالاعتناء بهم وكفالتهم، حتى أنه ساوى من يخلفهم ويعتني بأبنائهم بالغزاة في سبيل الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من جهز غازياً بسلك أو إبرة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، (مستدرك الوسائل: ج11/ ص24، جامع أحاديث الشيعة: ج13/ ص22. وقال صلى الله عليه واله وسلم: (من أعان غازياً بدرهم، فله مثل أجر سبعين دراً من درر الجنة ويـاقوتها، ليست منها حبة إلا وهي أفضل من الدنيا)( ). (نفس المصدر السابق).
فسوى في الأجر بين الغازي في سبيل الله تعالى، ومن جهز غازياً، ومن خلفهم في أهليهم مندرج في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتقوَى) (المائدة:2) والجهاد من أبر البر، والمعونة عليه من أفضل المعونة.
ومن هذا الباب، لعبت العتبات المقدسة في العراق دوراً كبيراً في عملية الإسناد الاجتماعي، والتواصل الأخلاقي، وتقديم صورة حقيقية عن مستوى الروح المعنوية لدى المقاتلين من أفراد الحشد الشعبي، وتفقد القطعات العسكرية المرابطة على سواتر القتال، وتقديم الدعم المعنوي والعسكري واللوجستي إليها، بالإضافة إلى تواصلها بصورة حقيقية مع عوائل شهداء الدفاع المقدس الذين استشهدوا من تاريخ (9/6/2014)م بعد فتوى الوجوب الكفائي التي اطلقتها المرجعية الدينية العليا إلى يومنا هذا، من أجل بث المشاعر النفسية التي يشعر بها ذوي الشهداء نحو بعضهم، وإشعارهم بأن يد المرجعية الدينية المباركة فوق رؤوسهم، ولم تنسهم برعايتها الأبوية.
أيضاً هذا التواصل يرسل مشاعر ايجابية بين أفراد الدفاع المقدس، وهذا يعني بث روح التفاؤل والود والتعاون بينهم، وبالتالي روح معنوية عالية تدفعهم إلى العمل على احراز النصر تلو النصر، وزيادة فاعليتهم ودافعيتهم للقتال، وبالعكس في المعسكر المقابل سيبث مشاعر سلبية مما يولد تشاؤماً وتذمراً، وبالنتيجة تكون الروح المعنوية متدنية ومنخفضة تؤدي إلى عدم اندفاعهم نحو القتال.
هذا العمل الدؤوب متواصل في كل مدن العراق الصامدة من كركوك وآمرلي وقرية البشير مروراً بالعاصمة بغداد وديالى وتكريت وبيجي وناحية العلم إلى مدينة الرمادي والفلوجة وجرف النصر، وغرب كربلاء، وغيرها من المدن التي صمدت بوجه التكفير والإرهاب، والتي أعطت الكثير من الدماء الزاكية في سبيل الحفاظ على هيبتها وصمودها ضد براثن الشر والفساد وقوى الظلام التكفيرية المتمثلة بالإرهاب الأعمى الذي لا يرحم صغيرا ولا كبيرا، ولا رجلا ولا امرأة، ولا أي مكون آخر تحت أي مسمى.
العتبة العباسية المقدسة لها دور كبير ومشرف في عملية الإسناد النفسي والمعنوي والاجتماعي للمقاتلين وذوي الشهداء الأبرار، وتعتبر السباقة لعمل الخير بشهادة الجميع، والتي تمتثل بتوجيهات المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف؛ لكي تقوم بعملها المخلص من أجل زرع بسمة ولو بسيطة على شفاه الأرامل والأيتام وجميع عوائل الشهداء.
قامت هذه العتبة المباركة وبتوصيات مهمة من لدن المتولي الشرعي عليها سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، بعدة واجبات ومهام مشرفة ووطنية منذ اطلاق الفتوى المباركة إلى يومنا هذا، يمكن أن نلخصها بالآتي:
أولاً: تشكيل فرقة العباس عليه السلام القتالية ليستمدوا عزمهم وهمتهم من حامل راية لواء الحسين عليهما السلام في ملحمة الطف الخالدة، ليسطروا أروع البطولات في ميادين القتال، ويبذلوا الغالي والنفيس من أجل حماية الدين والمقدسات والأهالي، ليكونوا خير خلف لأفضل سلف، وخير دليل على ذلك ما شهده قاطع عمليات قصبة البشير في جنوب محافظة كركوك، وتحريرها من براثن ومخالب الإرهاب الداعشي، مسطرين أجمل ملاحم الفداء والتضحية والاستبسال في الذود والدفاع عن هذه المدينة العزيزة التي تضم خليطاً متجانساً من ألوان الطيف العراقي المتعدد.
ثانياً: الزيارات الدورية واليومية إلى القطعات العسكرية المرابطة على سواتر الصد، وتقديم الدعم المادي والمعنوي والعسكري لها من أموال وطعام وملابس وذخيرة وعتاد وسلاح ومساعدات إنسانية أخرى.
ثالثاً: زيارة وتفقد أحوال أسر الشهداء في كل مدن العراق من دون استثناء، وجبر خاطرهم وتبشيرهم بالخير والسرور من خلال توزيع الهدايا العينية والتبركية والمنح المالية عليهم، وهذا شيء بسيط تقدمه إزاء التضحيات المشرفة التي قدمتها هذه العوائل المباركة من خلال تقديم فلذات اكبادها دفاعاً عن الأرض والعرض والمقدسات.
رابعاً: النفقة على أبناء وذوي الشهداء من خلال تشكيل مجموعة من صناديق التبرع لمقاتلي الدفاع المقدس في الصحن العباسي المطهر.
خامساً: دعم الكوادر الطبية والصحية الداعمة لمتطوعي الدفاع المقدس.
سادساً: تعزيز الوحدة الوطنية من خلال التواصل مع المهجرين من أبناء المذهب السني، وتكريم عوائل الشهداء في مناطق الانبار وبيجي وناحية العلم وسامراء.
سابعاً: على الصعيد الثقافي والمعرفي، أقامت مجموعة كبيرة من النشاطات والمؤتمرات والندوات الفكرية لدعم مقاتلي الدفاع المقدس والشهداء الأبرار في تمويل التراث الثقافي الإسلامي بمجموعة كبيرة من المؤلفات والقصص والروايات التي استلهمت من ميدان المعركة.
ثامناً: الالتفات كبادرة سباقة الأولى من نوعها في احتضان مجموعة كبيرة من المراسلين الحربيين للقنوات الفضائية والتلفزيونية وتكريمهم على جهودهم المخلصة في توثيق مفصل مهم من تاريخ العراق الحديث.
تاسعاً: إرسال جميع منتسبيها على شكل وجبات دورية منتظمة إلى جبهات القتال ومسك الأرض في الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات ضد العصابات التكفيرية.
عاشراً: تأسيس أكاديمية خاصة للمسعفين الحربيين تسمى (اكاديمية الكفيل للإسعاف الحربي)، من خلال التواصل مع تشكيلات الدفاع المقدس، وإقامة دورات مكثفة لهم وحسب المنهاج العالمي في كيفية انقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين أثناء المعارك.
وغيرها من الإسهامات التي عززت الثقة بين أفراد ومكونات أبطال الدفاع المقدس المبارك وعوائلهم الكريمة بإدامة زخم المعركة، والثبات على منهجية المرجعية الدينية العليا التي دائماً ما تؤكد على حسن الاهتمام بهذا المكون الشريف الذي رفع الحيف والظلم عن وجوه العراقيين، وهم يستحقون الشكر والعرفان الجميل والثناء الجزيل على كل قطرة دم بذلوها من أجل بقاء ديمومة الحياة في ربوع هذا الوطن العزيز علينا وعلى قلوبنا.
وأخيراً نسأل الله تبارك وتعالى أن ينصر إخواننا المقاتلين في صفوف تشكيلات الدفاع المقدس، واربط على قلوبهم واجمع كلمتهم، وزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم يا قوي يا عزيز..! اللهم واقمع أهل الزيغ والكفر، إنك قريب مجيب الدعاء يا رب العالمين.