المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تدعو الى احترام الآخر ونبذ التعصّب وتجنّب الصراعات
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا
تدعو الى احترام الآخر ونبذ التعصّب وتجنّب
الصراعات غير المبرّرة لا شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً..
دعت المرجعيّةُ الدينيّة العُليا على لسان ممثّلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (7ذي الحجّة 1437هـ) الموافق لـ(9أيلول 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته الى احترام الآخر، ونبذ التعصّب، وتجنّب الصراعات غير المبرّرة لا شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً، حيث بيّن قائلاً:
أيّها الإخوة والأخوات أودّ أن أبيّن الأمر التالي:
إنّنا كمسلمين بحاجةٍ اليوم الى الرجوع والإنابة الحقيقيّة والصادقة الى الله تعالى وشرعه القويم ومنهجه المحمديّ الأصيل، وذلك باتّباع شرعته في الرّحمة والأخوّة واحترام الآخر ونبذ التعصّب وتجنّب الصراعات غير المبرّرة لا شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً، وقبول كلٍّ منّا بالآخر والعمل معه سويّةً في الخيرات، حيث المشتركات كثيرة وما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا، لولا أنّ الهوى والتعصّب صار هو الغالب والسائد حتّى بات العالم الإسلاميّ موطن الصراعات الدمويّة والاحتراب المقيت.
وعليكم أيّها الأحبّة المؤمنون بتعاهُد دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، ففيه من المعارف الدينيّة السامية والتعاليم العقائديّة والعرفانيّة العالية ومكارم الأخلاق الربّانية ما ينبغي للدّاعي أن يتوجّه بالتضرّع والاستكانة والخشوع والرّهبة والرّجاء لله تعالى وطلب قضاء الحوائج للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
فقد رُوي عن بعضهم أنّه قال: رأيت عبد الله بن جندب وكان من أجلّاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام بالموقف، فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، وما زال مادّاً يده الى السّماء ودموعه تسيلُ على خدّيه حتى تبلغ الأرض، فلمّا انصرف الناس قلت: يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوتُ إلّا لإخواني؛ وذلك لأنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مائةُ ألف ضعف مثله، فكرهتُ أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدةٍ لا أدري أتُستجاب أم لا..؟
يقول أنا أكره أن أدع المضمون بشيءٍ غير مضمون، أنت تدعو لإخوانك ما هي قيمةُ هذا الدعاء؟ في الاستجابة أوّلاً المقدار مائة ألف ضعف مثل الذي تسأل، ثمّ ضمان الاستجابة بينما تدعو لنفسك وهذا لا يمنع من أن يدعو الإنسان لنفسه ولكن التركيز على أن يدعو الإنسان لإخوانه، لأنّه يُنادى من العرش بهذا المقدار وهو مضمون الاستجابة.
أيّها الإخوة والأخوات - عباد الله تعالى - ما أن يودّعكم يومُ عرفة حتى يحطّ بساحتكم يومُ عيد الأضحى المبارك، وقد جعل الله تعالى أعيادكم من شعائر دينكم وفتح فيها أبواب عودتكم لربّكم ليعود عليكم بمزيدٍ من الخير والرحمة والفيوضات والبركات، فاعملوا فيها بما يُرضي ربّكم، وتقرّبوا اليه بالطاعات واغسلوا ببركاتها إحن صدوركم والقوا إخوانكم بقلوبٍ طاهرةٍ من الغلّ نقيّةٍ من الحسد، وتذكّروا أيّها الإخوة والأخوات تذكّروا عوائل شهدائكم، حيث غاب الآباء عن فلذّات أكبادهم.
هناك شهداء غابوا عن أولادهم ورحلوا عن هذه الحياة الدنيا وتركوا أولادهم، فعودوا عليهم بالزيارة واشملوا أولادهم الأيتام - أيتام الشهداء خصوصاً وبقيّة الأيتام - بالحنان والعطف، وتذكّروا أنّهم فارقوا الدنيا ولذّاتها وتركوا الأهل والأحبّة لأجلكم، ليحفظوا لكم وطنكم ويصونوا مقدّساتكم وأعراضكم، فلهم الفضل والمنّة، أيّها الإخوة والأخوات ما حُفِظ هذا البلد وما صينت المقدّسات وما صينت الأعراض وعدم تعرّضها للهتك والسبي إلّا بلطف الله تعالى وفتوى المرجعية الدينيّة العُليا ودماء هؤلاء الشهداء، لولا هذه الأمور - ربّما إخواني - لكانت نساؤنا سبايا عند داعش ولَهُتِكت مقدّساتنا.
إذن، كم هو الفضل لهؤلاء الذين بذلوا أرواحهم وفارقوا الدنيا وتركوا الأهل والأحبّة والزوجات والأمّهات والأولاد من أجلنا ومن أجل أن يحفظوا وطننا ومقدّساتنا وأعراضنا، فكم هو فضلهم ومَنُّهم علينا، (وهل جزاءُ الإحسان إلّا الإحسان)، فكونوا ممّن يقابل الإحسان بالإحسان، ولا تغفلوا عن فقرائكم ومساكينكم وصلوا أرحامكم وبرّوا بجيرانكم وإخوانكم واعلموا أنّ الله تعالى ما جعل أعيادكم أيّاماً لأفراحكم ومسرّاتكم بما يُغضبه ويُسخطه، انتبهوا لا تحوّلوا هذه الأيام التي هي من شعائر الدين لا تحوّلوها الى أفراح ومسرّات فيها معاصي وفيها ما يُغضب الله تعالى ويُسخطه، بل جعلها موسماً للتواصل والتكافل والتعاون والصفح والعفو والمحبّة والألفة فيما بينكم.
اللهم ارزقنا شوق ثواب الموعود، وخوف غمّ الوعيد حتى لا نأنس إلّا بذكرك ولا نستوحش إلّا من معصيتك إنّك رحيمٌ غفور والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.