لَبَّيْكَ يَا حُسَيْن .. فِكْرٌ وَسُلُوك

30-12-2018
صادق مهدي حسن
(إنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أنْ آمُر بالمَعْروفِ وَأنْهَى عَنِ المُنكَر، وَأَسيرَ بسيرَةِ جَدّي صلى الله عليه واله وسلم وَأبي عَلي بن أبي طالب عليه السلام )، هكذا أوجزَ وأبلغَ الحسين عليه السلام في بيان هدفه الرسالي المبارك، وهكذا جاهد في الله حق جهاده ورسِم بدمه الشريف صورةً مُشرِقَةً مُشَرِّفَةً للأحرار في صراعهم مع قوى الطغيان.
يزحف الحسين عليه السلام بتلك الأسرة مع قلّة العدد وخذلان الناصر، ويصل كربلاء مطلع محرم الحرام حيث يحتشد أحلاف البغي والسوء متنصلين من كل مبادئ العروبة والإنسانية. وبعد ظهيرة العاشر يُسفَك (دم رسول الله)، ويُرفع الرأس الكريم مرتِّلاً لآيات الله على رمح أبناء الطلقاء... إنها تضحية يطأطئ لها التاريخ رأسه!! وعلى مرِّ العهود والأزمان يرتفع الصوت الثوري لهذه المظلمة الكبرى بمختلف الأساليب: من ندبٍ وبكاء، وفكرٍ وتحليل لأبعاد النهضة، تتكاثر المنابر مع عصر الفضائيات، والهتافات تعلو: (لَبَّيْكَ يَا حُسَيْن.. لَبَّيْكَ يَا حُسَيْن.. ملبيةً ذلك النداء الحسيني المدوّي عبر التاريخ: (هَلْ مِنْ ناصِر..؟!).
ولعل أبرز الشعائر التي وَرَدَ الحثُّ المؤكد عليها هي زيارة إمامنا الشهيد وفي مناسبات مختلفة على امتداد السنة ومن مقاطعها نقرأ: ((... فَلَعَنَ اللَّهُ اُمَّةً أسَّسَت أساسَ الظُّلمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ... بَرِئتُ إلَى اللَّهِ وَاِلَيكُم مِنْهُم وَمِنْ أَشياعِهِم وَأَتباعِهِم وَأولِيائِهِم... وَلَعَنَ اللَّهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَروانَ وَلَعَنَ اللَّهُ بَني أُمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ اللَّهُ ابنَ مَرجانَةَ وَلَعَنَ اللَّهُ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ وَلَعَنَ اللَّهُ شِمراً وَلَعَنَ اللَّهُ اُمَّةً أَسرَجَت وَأَلجَمَت وَتَنَقَّبَت لِقتالِكَ...)). إذن، فنحن نلعن الظالمين ممن مَرَقَ عن الإسلام، وكاد السوء لمن أراد الإصلاح، نلعن من ساق بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سبايا، وهتك سُتورهن، وأبدى وجوههن كما عبّرت عن ذلك سيدتنا زينب عليها السلام ، نلعن من وصفهم الحسين عليه السلام بقوله: (إنَّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلال الله...)(قراءات في بيانات الثورة الحسينية ج4)، نعم، نلعنهم جميعاً ونتبرأ منهم ولكن!! لا بد أن نرفع صوت الاحتجاج عالياً على كل ما ينافي تلبية الحسين عليه السلام على مستوى الفكر والعمل وعملاً بقول النبي صلى الله عليه واله وسلم : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن تُوزنوا، وتَجَهزوا للعرض الأكبر)(ميزان الحكمة/ الريشهري: ج2 ص279) لنتساءل مع أنفسنا: أين نحن مما أراده الحسين عليه السلام من إصلاح وتربية؟! وأين نحن من فكر الحسين عليه السلام وأخلاقه؟! وكيف ندعي حُبَّ الحسين عليه السلام ونخالف أقواله وأفعاله؟! ألَسنا ندعو في الزيارة المباركة: ((اللَّهُمَّ اجعل مَحيايَ مَحيا محمد وآلِ محمد ومَماتي مَمات محمد وآلِ محمد))؟ ألا يجب أن نحول هذا الدعاء إلى جانب عملي في واقعنا المعاش؟! فلماذا هذا التعدي على حدود الله ((وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدخِلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)) (النساء:14).
لذا وقبل أن نلبي نداء الحسين عليه السلام ، ونلعن شمراً في شعائرنا، فلنتواصَ بالحق ولنؤمن بكل جوانحنا وجوارحنا أنَّ (لَبَّيْكَ يَا حُسَيْن) ليس صراخاً عالياً فَحَسْب، بَلْ هو التزام بفكر وسلوك ومبادئ الحسين عليه السلام الذي: (أعطى الذي ملكت يداه إلهَه حتى الجنين فِداه كُل جنين) في سبيل رفعة الإسلام وعزَّته, كما أن (لَعَنَ اللَّهُ شِمْراً) أو غيره ممن ذكرت الزيارة الكريمة ليس للزيارة ونيل ثوابها فقط، بل هي لعنٌ لكل فِكرٍ وسلوك وتوجّه يعارض فِكرَ وأخلاق القرآن التي كان الحسين عليه السلام وتلك الصفوة المباركة من أهل بيته وأصحابه في طليعة من بذلوا مهجهم من أجل كرامتها والذود عن بقائها مشعلاً ينير للثائرين دربهم إلى قيام الساعة.
ولِزامَاً علينا أن نتذكر أنَّ للحسين عليه السلام فضلا عظيما لا يُنكر، وردُّ الجَّميل لإمامنا هو أن نأتمر ونأمر بالمعروف وننتهي وننهى عن المنكر باليد، باللسان، بالقلب، بالقلم، بكل ما تفضل الله به علينا من نعمة وقوة، متحصنين بالتوجه المخلص لتعاليم القرآن العظيم ولشريعة النبي الكريم صلى الله عليه واله وسلم ، فحري بنا يا أحباب محمد وآله أن نلعن الشمر وزمرته ونلبي الحسين عليه السلام وثورته بفكرنا الملتزم وسلوكنا الصائب لنكون - عندما نلبيه هتافاً عالياً - صادقين مع الله تعالى، مع الحسين عليه السلام ومع أنفسنا ومستحقين لدعاء الإمام الصادق عليه السلام : (اللهم ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا...) وأن لا ينطبق علينا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ) (سورة الصف:2-3)